خالد بن حمد المالك
وجدت تصريحات جورج قرداحي المسيئة للمملكة - وهو الذي تبلغ ثروته 200 مليون دولار مصدرها من عمله في الـ(m.b.c) كما يعترف بذلك شخصياً- تأييدًا واضحًا من رئيس الدولة ورئيس الحكومة اللبنانية، وإن جاء هذا التأييد مبطناً وبشكل غير مباشر، حين بررا له بالقول إن ما صرح به كان قبل أن يكون عضوًا في الحكومة بأسابيع، وأنه يندرج تحت ما يسمى بالرأي الشخصي الذي لا يمثل رأي الحكومة اللبنانية ولا يلزمها به.
* *
والمعروف أن مشاورات كانت تتم لتشكيل الوزارة، وأن اسم وزير الإعلام قرداحي كان مطروحًا ضمن حصة سليمان فرنجية -تيار المردة- في وزيرين بها، أي أنه معروف سلفًا أنه سيكون وزيرًا للإعلام، فكيف يتحدث بهذه اللغة المسيئة، وهو يعرف بأنه سيكون وزيرًا بعد أيام، وكيف لا يدين الرئيس عون ورئيس الوزراء ميقاتي الكلام الوقح الذي تفوه به هذا العميل المزدوج؟
* *
سؤال آخر، لماذا تأخر أو تأجل الإفصاح عن هذا التطاول البذيء من وزير الإعلام اللبناني إلى ما بعد تشكيل الوزارة، وطالما أنه تأجل الإعلان عنه، لماذا لم يطلب قرداحي من أصدقائه اللبنانيين في قناة الجزيرة إلغاء اللقاء وكأنه لم يكن؟ وهذا من حقه لتجنيب لبنان كل هذه التداعيات، والسؤال الثالث وليس الأخير كيف قبل ميقاتي بأن يكون قرداحي وزيرًا للإعلام في حكومته وهو يعرف عن سوابق من الكراهية والحقد والتطاول الذي يمارسها هذا العميل المشبوه بحق المملكة ودول الخليج؟
* *
وإذا كانت المملكة قد اكتفت باستقالة وزير الخارجية السابق في حكومة تصريف الأعمال (شربل) بعد بذاءاته هو الآخر بحق المملكة، ولم تصعّد الرياض الإجراءات والعقوبات حينها بحق لبنان أملاً في عدم تكرار هذا السلوك المشين، فإنها لن تكتفي هذه المرة حتى لو استقال أو أقيل جورج قرداحي بالصفح عن النظام اللبناني البائس وكأن شيئًا لم يكن، خاصة وأن هناك سوابق لوزير الخارجية الأسبق جبران باسيل بمواقفه في كل اجتماعات وزراء الخارجية العرب وتصريحاته غير المهذبة بحق المملكة.
* *
أما الطامة الكبرى التي لن يتعافى لبنان منها، ما لم يتم التخلص من هيمنة حزب الله الإرهابي على القرار في لبنان، حيث لا تمرير وموافقة لأي قرار في رئاسة لبنان، ومجلسي الوزراء والنواب ما لم يتماش مع سياسة حزب الله، وتوجهات إيران التي ترى أن بيروت أصبحت بنفوذ حزب الله عاصمة من عواصم إيران، فيما يقبع الرئيس عون في قصر بعبدا وكأنه يقضي بقية حياته في فترة استرخاء، ولا تعنيه هموم الشعب اللبناني الشقيق.
* *
واليوم وقد غضب الحليم، فإنه لا يفكر، بأكثر من إعادة الأمور إلى نصابها بقرارات مفصلية وشجاعة، وهو ما حدث مع لبنان، عندما قررت المملكة استدعاء سفيرها في بيروت، والطلب من السفير اللبناني في الرياض بمغادرة المملكة، وإيقاف جميع الصادرات اللبنانية للمملكة، أو تلك التي تمر عبر حدود المملكة،كما أن أحدًا من السعوديين لن يذهب إلى لبنان في ظل أجوائه غير المستقرة، وحملاته السياسية والإعلامية ضد بلادنا.
* *
ولم يكن تصريح قرداحي بكل خبثه وانتهازيته وحماقته هو سبب كل هذا الموقف من المملكة، وإن كان قد اضطر بالحليم أن يخرج عن صمته، فقد ظلت المملكة هدفًا لتصدير المخدرات من لبنان، كما ظل حزب الله داعمًا للحوثيين في هجماتهم على المطارات المدنية في المملكة، وعلى الأبرياء من المدنيين، دون أن يكون للرئاسة والحكومة ومجلس النواب أي دور ولو بالكلام لرفض هذا التدخل السافر من حزب الله الإرهابي في الوضع الجاري باليمن.
* *
غير أن ما لفت نظرنا في تصريحات قرداحي المفسرة واللاحقة لما قاله عن الوضع في اليمن، ادعاؤه بأن ما تحدث به كان عن محبة للسعودية - حسب قوله-، وحرصًا منه على مصالحها، متجاهلاً أنه قال في تصريحه قبل أن يفسره بغباء إن هجوم الحوثيين على المملكة دفاع عن النفس، وحق لهم أن يفعلوا ذلك، وأن تدخل المملكة قد أوجد حربًا عبثية ولا بد أن تتوقف، ولم يقل كلمة واقعية واحدة عن الشرعية اليمنية لينصف دورها، وعلى حق المملكة في الدفاع عن نفسها ودعم النظام الشرعي الذي انقلبت عليه ميليشيا الحوثيين بدعم من إيران، ولم ينكر على حزب الله وعلى إيران تدخلهما في اليمن لإذكاء الفتنة والخلافات، ومنع التفاهم بين اليمنيين لحل خلافاتهم.
* *
وما يسجل للمملكة ضمن مواقفها الإيجابية من الشعب اللبناني مسارعتها بتطمين اللبنانيين الذين يقيمون في المملكة ويقدر عددهم بما يقارب أربعمائة ألف لبناني، تأكيدها على أنه لن يمسهم سوء، ولن تتغير مواقف المملكة من سياستها في الترحيب بهم، انطلاقًا من قناعتها بعدم مسؤوليتهم عن جريرة غيرهم، وهو ما لا تفهمه الأحزاب السياسية اللبنانية العميلة، ولا الرؤساء الثلاثة، ولا بعض أعضاء مجلسي الوزراء والنواب.
* *
أما توقعاتنا، فإن التصعيد سيكون في المستقبل هو سيد الموقف، فمن يعرف هؤلاء الذين يتحكمون في لبنان، ولا تهمهم غير مصالحهم، يعرفون أن لبنان يتجه نحو الأسوأ والأخطر، فالبلاد مخطوفة إيرانيًا، ومقصاة عن محيطها العربي.