عطية محمد عطية عقيلان
يلزم في حياتنا لنعيش بسعادة وهدوء، بوجود مساحة من الخصوصية والغموض والسرية نحتفظ فيه فقط لأنفسنا، رغم حاجة الإنسان الطبيعية إلى الفضفضة عن ما يدور بداخله وما يمر به من صعاب ومشاكل ومواقف، لكي تساعده وتمكنه من حلها ومجابهتها والتعامل معها، ولكننا نجد صعوبة في طرح ذلك مع الآخرين بحرية وصدق ودون تكلف ودون لوم وعتاب، نجد أن الأصدقاء أو الصديق الحقيقي هو الذي تفضفض وتستشيره دون لوم وعتاب أو خوف من افتضاح أمرك، تجده مستمعا جيدا ومتضامنا، ويبحث عن حلول ومخرج لمشاكلك وورطاتك ويهون كل مصيبة أو أزمة أحدثتها، وكما يقال «الصديق وقت الضيق» وأكبر مشكلة تواجهنا في معترك هذه الحياة هي الخيبات في العلاقات والصدمات ممن تعتبرهم أوفياء وحافظين للمعروف والجميل، فتجدهم جاحدين ومتناسين مواقفك ودعمك المادي والنفسي لهم، فمن المقولات الطريفة في ذلك «لا تفتخر بأن لك أصدقاء بعدد شعر رأسك، فعند الشدائد ستكتشف أنك أصلع»، لذا أصبحنا نرى موضوع الفضفضة وطرح الأسرار والمشاكل مشاعة بين الناس، فتسمعها أحياناً في أماكن عامة كالمطاعم والكافيهات والطائرات..الخ، فيكون التحدث بصوت عالٍ وبأدق المشاكل والظروف دون حفظ خصوصيتهم وأسرارهم ومراعاة للآخرين والذوق العام، وميزة هؤلاء الأشخاص اتصافهم بعدم الاحراج أو الاعتبار لمن حولهم خاصة من يستخدمون هواتفهم في الأماكن العامة، ومن ركب مع سيارة «ليموزين» شاهد كيف أن بعض السائق يتحدث طيلة الوقت بهاتفه دون اعتبار وذوق للراكب وسلامة الآخرين من عدم التركيز، لذا ترى ملصقات في وسائل النقل العام في اوروبا تمنع التحدث للهاتف لأن للمكان خصوصيته خاصة في الأماكن الضيقة، كذلك عند السكن في الفنادق ووجود ساكنين بجانبك مزعجين من الأصوات العالية دون اعتبار لتوقيت، ولهذا تقوم الفنادق بتنبيه نزلائها على مراعاة الذوق العام والهدوء وعدم ازعاج المجاورين لك، ورغم أننا نحاول ونجتهد أن نحيط حياتنا بالسرية والخصوصية في أمورنا العائلية والعمل ونطبق عليها المثل «داري على شمعتك تقيد»، لأن من أكثر المسببات للمشاكل الشخصية أو العائلية هي كشف المستور عن ما نقوم به على مستوى العلاقات والعمل، خاصة للغرباء والزملاء، ودوما نحصد الحسرة والندم على ما نفضفض به للآخرين، لا سيما نحن شعوب نعشق الكلام والعلاقات ونستمتع برواية أخبار ومعلومات الآخرين وقصصهم التي أئتمنونا عليها، وكانت من نقمات منصات التواصل الاتماعي المختلفة عرض حياتنا اليومية بشكل مفصل، سواء منا أو من ابنائنا والتي تستلزم توعيتهم بضرر نشر ذلك وتأثيره السلبي على جميع أفراد العائلة، ورغم أن أجدادنا الأولين عندما كانوا يعيشون في الخيام أو البيوت الطينية كان يوجدون مسافة كافية وتباعد بين المنازل، تسترهم من سماع الجيران، لاخبارهم وما يدور عندهم، مع التذكير بأن للجار سواء في المنزل أو المكتب أو على مقاعد الدراسة حقا كبيرا في الاسلام لأنك حتما بحكم الجوار ستطلع على حياته وأسراره، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله « مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». لذا من المهم أن نحرص جميعاً على احترام الخصوصية في علاقاتنا الأسرية ومع الاصدقاء ومشاكلهم ونحيطها بالاحترام والخصوصية والسرية، ولا تكون حياتنا وأخبارها وقصصها مشاعاً ونستمتع في سردها ورواية تفاصيلها، ورأينا كيف تحولت الكثير من النعم المحيطة بنا إلى نقمة لأننا ننشر كل ما نقوم به ونصور موائدنا ومناسباتنا ومختلف علاقاتنا، فنصبح كالكتاب المفتوح الذي يسهل اختراقه والتأثير عليه وتعكيره، ونرى أن أسوأ نهاية العلاقات التي تتم بسبب تدخل من حولنا في العلاقة لاسيما في قضايا الطلاق والصداقة ووجود طرف ينقل كل ما يحدث داخل بيته إلى اهله وأصدقائه والتي تسهم في شرخ في العلاقة ونهايتها بطريقة مؤلمة.
لذا عزيزي القارئ لنستفد من تجربات الأجداد في الحرص على ضمان الخصوصية في تصميم ومكان منازلهم وإحاطة بيتهم بهالة من السرية والغموض خاصة في العلاقات الخاصة بين الأزواج والأخوان والأهل والأصدقاء، وليكن هناك تباعد وحدود وتنبه في الفضفضة أمام الأصدقاء والأحبة وتجنبها مع الغرباء مع حفظ حد أدنى من الأسرار في حياتك، لأن فهم الآخرين واستيعابهم وطرق طرحهم ليست كما تتوقع دائماً، وهناك حكمة تقول «عجبت للناس يسمعون نصف الحديث، ويفهمون ربعه، ويتكلمون أضعافه» فلكي تسلم خفف من القصص عن حكاياتك ولا ترو كل ما يحصل معك سواء من حزن أو فرح الا لمن سبق أن ساندك بالقول والفعل.