رمضان جريدي العنزي
جورج قرداحي، انقلب على عقبيه، كما فعل الكثير من الجاحدين العرب، بعد أن أطعمناهم من جوع، وآمناهم من خوف، وسقيناهم من عطش، كبروا عندنا ونموا وتهدَّلت كروشهم، استطالوا وعلوا ونضُر شكلهم وحسن، لبسوا عندنا تعطروا وتأنقوا، وتضخَّمت حساباتُهم البنكية، وذاع اسمهم وأصبح لهم صيتٌ وشأن وشهرة، بعد أن فتحنا لهم الباب والنافذة، ومهَّدنا لهم الطريق، ثم تنكَّروا لنا وجحدونا، لقد بانت عوراتهم التي كانوا يخفونها بورقة التوت الصغيرة، لا مسارهم كان معنا ناصعاً، ولا مواقفهم مشرفة، ولا حملوا همومنا الكبار كما حملنا همومهم، ولا انتصروا لقضايانا العادلة، ولا تفاعلوا مع آلامنا وأحلامنا الوطنية والقومية، ولا اتسموا بالأخلاق العالية، والخصال الإيجابية.
كنا قد «انغشينا» في مرحلة معينة بهذا الرجل، كان مرتباً وأنيقاً، وعنده عذوبة كلام، كنا نحسبه نصيراً للمهمشين والحيارى، والمظلومين والبائسين والحزانى، ولكنه في المرحلة اللاحقة تحوَّل إلى إنسان مغاير وانحدر بدناءة نحو مستنقعات الكذب والدجل، بعد أن سقط قناعُه، وماع المكياج الرديء من على وجهه.
إن التحوُّل من خندق إلى خندق، ليس صعباً على الإطلاق من رجل مصاب بالازدواجية والانحرافات العقلية، والأهداف الشخصية والنفعية، ممارساته الأخيرة معنا كانت صادمة ومؤلمة، وانتهاكه للقيم والمبادئ والثوابت كانت فجَّة، لقد أصبح عنوانًا بارزًا للتزوير والخداع والتنكُّر، لقد مارس معنا الطيش والعبث وانتهك الخطوط الحمراء، دون وجل ولا حياء، لقد خدعنا طويلاً في العلن بالابتسامات الصفراء، والكلام المنمق، والبرامج الإنسانية، لكنه في الخفاء كان منشغلاً تماماً بمصالحه الشخصية والفئوية على حسابنا، وعلى حساب نياتنا الطيبة، وقلوبنا الطاهرة النقية، لقد انقلب على عقبيه انقلاباً فظيعاً، وغلَّب شريعة الجحود على شريعة الوفاء، وهذه هي طريقة الثعابين والثعالب والغربان، لقد أنكر معروفنا عليه، وأصبح مرجفاً وكاذباً، وبوقاً للبهت والتملُّق، لقد وفَّرنا له فرصاً كبيرة وكثيرة لا يستحقها، ثم نكث علينا بسمومه، وهاجمنا بلسانه السليط، إرضاء لنفسه المريضة، وخدمةً لأسياده، الذين منحوه المنصب الذي لا يستحقه، ناشراً الأكاذيب والافتراءات واصطناع الأراجيف، لقد أصبح له طنيناً كطنين الذباب، وحسبه انكشاف عورته، وبيان حقيقته، والتي كان يخفيها دهراً طويلاً من الزمن، لقد اتخذ الكذب علينا وسيلة له، حتى سقطت شخصيته، وانهدر اعتباره، من حيث يشعر أو لا يشعر.
إن الكذاب لا يستطيع أن ينجح في كل الأحوال، لكنه في الأخير يسقط إلى الدرك الأسفل، قد ينجح في تمرير كذبه مره أو مرتين أو ثلاثاً، لكنه حتماً يسقط في النهاية لا محالة، بعد أن ينكشف على حقيقته وجوهره.. إننا نقول لهذا الجاحد ومن على شاكلته من الجاحدين العرب لن نلدغ من جحرنا مرتين، وعليهم أن يكفُّوا عن البهت والأكاذيب، لأننا لم نعد بسطاء ولا سذجاً، ولم تعد تخدعنا المظاهر والشكليات والكلام المعسول المنمَّق، لقد تغيرنا كثيراً عن ذي قبل.