حمّاد بن حامد السالمي
* نعم.. لتشتد، فما كل أزمة؛ أزمة، ولأن في بعض الأزمات تكمن انفراجات؛ فهذه ومثلها؛ مرحب بها حتى لو كانت أزمة.
* آخر ما تخوض فيه وسائل اخبارية؛ وتتناقله وسائط إعلامية؛ هو ما طفح على السطح؛ من خلافات وصراعات تدور رحاها اليوم بين زعامات إخوانية مثل: إبراهيم منير القائم بعمل مرشد جماعة الإخوان؛ ومحمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة، والمعزول بقرار من منير. يقول المحللون: بأن ما يجري بين هذين القياديين؛ ضرب قواعد الجماعة والتنظيم الدولي للإخوان بعمق، وظهر ما يؤكد اتجاه الجماعة للانقسام إلى فريقين. هي أزمة إذن فيها رحمة بالأمة.
* ومما يتردد عن خفايا أزمة القيادة في الهيكل الإداري للجماعة؛ أن مجلس شوراها بقيادة إبراهيم منير؛ القائم بعمل المرشد والمقيم في العاصمة البريطانية لندن؛ رفض الاعتراف بتوقيعات لقيادات أخرى في الداخل والخارج، طالبت بتعيين محمود حسين أميناً عاماً للجماعة، وزاد.. فتجاهل قرارات القائم بالأعمال بإحالته ومعاونيه للتحقيق. مجلس شورى الجماعة هذا؛ أحال كلًا من إبراهيم فودة، ومحمد القصبي، وعبدالله حامد؛ للتحقيق بتهمة نشر معلومات اعتبرها (مضللة، وتهدف لتأليب الصف) الإخواني ضد منير وقيادات التنظيم الدُّولي. وقرر من جديد؛ إحالة محمود حسين، وهمام يوسف، وممدوح مبروك، ومدحت الحداد، ومحمد عبدالوهاب، ورجب البنا؛ للتحقيق؛ بسبب (مخالفات مالية وإدارية)، واتهام قيادات التنظيم الدولي بـ(تصفية حسابات شخصية)، وتكليف اللجان الإلكترونية للجماعة؛ بتشويه سمعة إبراهيم منير وقيادات التنظيم الدولي، والمطالبة برحيلهم عن الجماعة. أزمة على أهل الأزمات.
* من يتتبع تاريخ جماعة الإخوان منذ تأسيسها حتى اليوم؛ يعرف أن وجودها مرهون بتأزيم الأوضاع السياسية والأمنية والمجتمعية في كافة البلدان العربية والإسلامية. إذا ظهرت نزاعات وصراعات واختلافات هنا أو هناك؛ فهذا دليل على أن جماعة الإخوان المفسدين حاضرة موجودة. إذا خلا بلد عربي ما من أي أزمات تهدد كيانه وأمنه واستقراره؛ فهذا يعني أن لا وجود ولا تأثير لجماعة الإخوان فيه. هذا هو تاريخهم ونهجهم في التخريب والتدمير، لكي تبقى جماعتهم، ولكي يستمروا في العمل نحو السلطة والتسلط من خلالها على رقاب الناس وإذلالهم. جماعة ترفع شعار الإسلام؛ وتعمل بكل قوة لهدم مبادئ الإسلام. أزماتهم متى جاءت بينهم؛ فأهلًا وسهلًا بها؛ لأنها تفكك أزمات خلقوها للشعوب والمجتمعات التي حلوا بها عبر تسعة عقود ونيف من السنين.
* من السهل جدًا فهم ما يجري بين قيادات إخوانية متبقية تقتات على فتات الجماعة الأم نفسها؛ مما لفظته الشعوب العربية في أكثر من قطر، وآخرها الشعب التونسي، الذي أخذ موقفًا حاسمًا من جماعة حزب النهضة وزعيمها الغنوشي، بعد أن أفسدوا على التونسيين حياتهم، ونهبوا ثرواتهم، ووصلوا بتونس إلى القاع. ثم الخروج المدوي لحزب العدالة والتنمية في المغرب.. خروج هادئ وحضاري يحسب للشعب المغربي، الذي استعصى على عنف الإخوان وأتباعهم من الدواعش طيلة عقود مضت. وسبق هذا؛ تطهير السودان من دنس الإخوان على أيدي الشعب السوداني نفسه. ثم تأتي تركيا التي رحبت سابقًا بزعامات إخوانية فارة من بلدانها ومطلوبة في قضايا تمس أمن بلدانها، للمتاجرة بأوراقها؛ حتى إذا خسرت هذه الأوراق الملوثة؛ رمت بهم في أزقة عواصم تعرفها الجماعة من قبل، مثل لندن وباريس وواشنطن وغيرها. أزمة ثقة في أحزاب إخوانية وصلت لسدة الإدارة الحاكمية وفشلت. ما أروعها من أزمة.
* بعد الخروج الحتمي للجماعة- الفاسدة في نفسها المفسدة لغيرها- من بلد المنشأ مصر؛ راهنت على أطراف عربية وغير عربية، منها تركيا وإيران كما نعرف، ومنها- وهذا هو الأهم في الموضوع- الجماعات الإرهابية المتولدة من رحمها والمدعومة منها، والتي درجت سنوات على إلصاقها بدول في المنطقة تناصب الإخوان العداء. جماعات مثل داعش والنصرة والقاعدة، هذه الجماعات؛ تخدم أهداف الجماعة بعمليات تشغل دول، وتضعف أخرى، وتفسح المجال لجماعة الإخوان بتقوية فصائل حزبية داخل دول أخرى، مثل حزب الإصلاح في اليمن، والجماعة السرورية في السعودية، وفصائل إخوانية في الكويت، إلى غير ذلك مما هو مشهور غير منكور في إدارة الأزمات، وإشعال الفتن، وتدبير الانقلابات، وتأليب الرأي العام ضد الحكومات التي لا تقبل بممارسة الإخوان داخل أراضيها. لا حل لأزمات خلقها ويخلقها حزب الإخوان المفسدين؛ إلا بنشوء أزمات داخل الجماعة نفسها. يا لها من أزمة بينهم تريحنا منهم.
* كأني بالعرب كل العرب؛ في مشارقهم ومغاربهم، وهم يلفظون جماعة الإخوان المفسدين من بينهم ويقولون: كفانا شرًا وبلاءً من هذه الجماعة الفاسدة طيلة عقود طويلة. كفانا انقلابات. كفانا مؤامرات ودسائس مع دوائر الاستخبارات العالمية. كفانا استنزافًا لأرزاقنا وأموالنا التي تزخر بها حسابات الجماعة في البنوك الدُّولية. كفانا دماءً سُفكت وديارًا خُرّبت. كفانا صراعات واختلافات وعداءات بين أبناء البلد الواحد، والدين الواحد، والمصير الواحد. كفانا أزمات سياسية ومذهبية واقتصادية. وأهلًا وسهلًا بأزمة تلد أزمات بين صناع الأزمات، تريحنا من كل الأزمات. اشتدي أزمة بينهم.. انفجري إذن ولا تنفرجي.