سلمان بن محمد العُمري
من المظاهر العامة التي نراها ونسمع بها قلة الحياء فعلاً وقولاً وفي أوساط الرجال والنساء والصغار والكبار على حد سواء؛ فما الذي أوصلنا إلى هذا الحال؟!. إن انعدام الحياء أو ضعفه هو دليل على ضعف الإيمان وضعف المروءة، والحياء، ولا أقصد حصر مفهوم الحياء على ستر الملابس فقط، وإن كان مهماً للغاية ولكنه أصبح عاماً وظاهراً كغيره، وهو ما ابتلينا به، ولقد كان من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وآدابه أن يكره التصريح في الألفاظ التي يُستحيا منها، ومن ذلك ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها «أنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ، فأمَرَهَا كيفَ تَغْتَسِلُ، قالَ: خُذِي فِرْصَةً مِن مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بهَا قالَتْ: كيفَ أتَطَهَّرُ؟ قالَ: تَطَهَّرِي بهَا، قالَتْ: كيفَ؟ قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إلَيَّ، فَقُلتُ: تَتَبَّعِي بهَا أثَرَ الدَّمِ». وفي هذا الحديث حدود سؤال المرأة، وتعليم الرجال لها، وأنها لا تسترسل في السؤال خاصة ما يستحيا منه، وقال ابن حجر وفي هذا الحديث: استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات، وفيه سؤال المرأة العالم عن أحوالها التي يحتشم منها، وفيه الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستهجنة.
فأين نحن الآن من هذا الخلق الكريم؟!
لقد أصبح البعض من النساء والرجال يقومون بأفعال مشينة، ويتحدثون بألفاظ سيئة ثم يقومون بتسجيلها وبثها على الناس، والبعض الآخر تجده في أوساط العمل والاجتماعات المحيطة به من زملاء وأصحاب وذوي قرابة قد نزع الحياء من وجهه فلا يأتي بخير، ولا يقول خيراً وتجده يخالف ما أنزل الله ويتعدى على حرماته. كانت وسائل الإعلام تسهم في قلة الحياء حينما كانت الإعلانات وخاصة المصورة تبث إعلانات لتسويق المنتجات فتجد من الملابس والألفاظ التي كانت مستهجنة وغير مقبولة في المجتمعات كافة سواء المحافظة أو غيرها، وأما الآن أصبحت قلة الحياء ظاهرة في أي موقع تتجه له، وللأسف إن القدوات هم الذين يظهر عليهم قلة الحياء وأولهما الأم، أو الأب، أو المعلم، أو الداعية؛ فالأم التي لا تتستر سيسير ابناؤها خلفها على ما هي عليه، والأب الذي يكذب أو يقول ويفعل ما يغضب الله أمام أبنائه فسوف يتبعه بنوه على ما هو عليه، والمعلم الذي لا يؤدي رسالته كما ينبغي ويظهر منه قلة الأمانة وسوء السلوك سيرسخ في أذهان طلابه السلوك المعوج، والداعية الذي لا يتورع عن بعض السلوكيات الخاطئة لن يكون له تأثير بالغ ولربما كان حجة في فعله لبعض الضعاف.
من يشاهد بعض البرامج الإعلامية، ويستمع للإذاعة لبعض المتحدثات ما كان له أن يتوقع هذه الجرأة وعدم الحياء التي وصلت إليها بعض النساء وبعض الرجال، ويتكلمون في أمور هي من الثوابت، ويطالبون بأشياء هي ضاربة بشريعة الإسلام والقيم والأعراف، والبعض الآخر يجاهر بالمعاصي، ويرى أنها من الحرية الفردية وبثها في وسائل عامة هي معول من معاول هدم القيم، وإنه من المصائب العظيمة والرزايا المريرة أن يخالف شرع الله علانية، ويعصي مجاهرة. لقد كانت الدعوة إلى مكارم الأخلاق من أهم مقاصد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والإيمان وحسن الخلق متلازمان، والحياء هو خلق الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من الصحابة والتابعين، والحياء فوق ذلك كله، هو صفة للرب جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وحياء الرب تبارك وتعالى جود وكرم، وبر وجلال، وكما يستحي المسلم من الخلق فإن عليه أن يستحي من الخالق سبحانه، ولكن الحال الآن، وللأسف أنه لم يعد يستحي الناس لا من الخلق، ولا من الخالق.. نسأل الله العافية.