الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكد عدد من الدراسات والتقارير عن انتشار ظاهرة التدخين في المجتمع السعودي بنسبة تزداد بشكل خاص مما يستدعي دق نواقيس الخطر خاصة لدى شريحة الشباب التي يُعوَّل عليها في بناء مستقبل الأمة، حيث تشير التقارير إلى ارتفاع عدد المدخنين في المملكة، ووفق دراسة ميدانية عن عوامل التدخين وآثاره وأبعاده الإنسانية التي أعدها الباحث سلمان بن محمد العُمري، تحت عنوان: (ظاهرة التدخين في المجتمع السعودي)،كشفت تزايد الظاهرة بشكل مزعج على الرغم من الجهود المبذولة في مكافحة آفة التدخين التي تعد من أشد الأوبئة انتشاراً، وأكثرها خطراً، وأعظمها بلاء وضرراً، وهو مرض وهلاك، وضياع مال.
وقد اتفق علماء الشرع والأطباء على خطر هذه الآفة، ووجوب مواجهتها ومكافحتها، ومنعها ومنع وسائلها وأسبابها، وذلك باعتبارها أكبر خطر على الصحة تواجهه البشرية اليوم، ولنتعرف على رؤى المختصين في العلوم الشرعية والطبية، كانت رؤى المختصين على النحو التالي:
تحريم الدخان
يشير الدكتور فهد بن سعد المقرن أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى أن العاقل لنفسه خصيم مثل تقوله العرب لمن يورد نفسه المهالك باختياره وهذا واقع المدخن فإنه لو خاصم نفسه لعلم أن عادة التدخين خسارة للمال والنفس، وكيف للعاقل أن يقدم على أمر فيه هلاك نفسه وماله، ومن حين ظهور التدخين خرجت فتاوى العلماء بتحريمه والتحذير منه لما فيه من الأضرار المادية والصحية، وكانت تلك الفتاوى تستند إلى أدلة شرعية منها قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ [المائدة:4]، وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]، وإن الأطباء قد أجمعوا وأجمع الناس على أنَّ مضارَّه عظيمةٌ، وأنه يُسبب أمراضًا كثيرةً، وشرًا كثيرًا، ويموت بسببه جَمع غفيرٌ، هذه الأضرار تُبين خبثه؛ فهل بعد هذه الدلائل العقلية والشرعية يكون للمدخن حجة في ممارسة تلك العادة السيئة.
تطبيق الشريعة
ويتحدث الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة بجامعة القصيم قائلاً: بعيداً عن الحديث حول جدل التحريم فإن الفطر السليمة تتفهم مقاصد الشريعة من التحليل والتحريم؛ فالوعي المجتمعي ارتقى إلى مستوى تحذير المدخن نفسه أولاده وطلابه من الوقوع في فخ التدخين، وباستقراء يسير لن تجد من وقع في هذا الابتلاء إلا في المراهقة فليس للراشدين سوى التجارب في التخلص منه، والخط الرفيع مجاراة الأقران وعبث الطفولة، وضغط الشلل الفارغة. ويرى الدكتور صالح التويجري أن أولى خطوات التعافي منه التخفي والأسرار لتتحقق لك دعوة نبيك صلى الله عليه وسلم، ولتضيق على نفسك نطاق الحرية ولتحقق رغبة الأكثرية، وإذا كان حق الشريك معتبراً فإن الزوجة أكثر متضرر ومتأذ من التدخين، كما أن التعصب والأفعال والجاهزية للخصومات تجدها لدى المدخن أقوى، مشيراً إلى أن من الأسباب عبث الطفولة وتعاطي أحد أفراد الأسرة التدخين، والرفقة السيئة والغفلة عن صحبة الأولاد في بواكير أعمارهم، كما أن ظاهرة تدخين العمالة بشكل معلن ودون إنكار، واستثمار الخلاف حيث إن بعض الدول لا ترى فيه بأسا من الناحية الشرعية وهذا قصور وتقصير في فهم مقاصد الشريعة وثبوت خطره وضرره الصحي والاقتصادي والاجتماعي فدواعي التحريم متنوعة، وكذلك الدعايات التجارية التي تصافح الشباب في كل مكان وتشيد بنشوة المدخن وقوته، ناهيك عن الغفلة عن تطبيق الأنظمة في منعه في الأماكن العامة، وتعاطي التدخين في المسلسلات والتمثيليات وبشكل مغرٍ، مع سهولة العثور عليه حيث إن المحطات والبقالات الغذائية تمارس بيعه برغم المنع لأنه ليس غذاء.
تقليل نسبة الأكسجين
ويبين الدكتور جمال مصيلحي أخصائي الجراحة العامة أن الدخان يؤثِّر بشكل مباشر على خلايا الجدار الداخلي للشريان ويقلل نسبة الأوكسجين بها، (حيث يحتوي التبغ على أول أكسيد الكربون الذي يتحد مع هيموجلبين الدم بدلاً من الأكسجين)؛ فيؤدي إلى تصلُّب الشريان وتخثر الدم الذي قد يمتد إلى فروع الشريان الدقيقة فيمنع وصول الدم للأنسجة، مما يؤدي إلى موتها، وخصوصاً إذا لم تكن هناك روافد وعائية، وهناك ثلاث مراحل للمرض:
أولاً عرج متقطع، وهو عبارة عن تقلص أو ثقل أو عدم راحة بعضلات الساق يشعر بها المريض عند القيام بمجهود مثل المشي، يزداد الألم مع ازدياد المسافة حتى حد معين يقف عنده المريض فيخف الألم تدريجياً خلال دقائق ثم يعود ثانية إذا تكرر المشي لنفس المسافة السابقة، أحياناً يمتد الألم لعضلات الفخذ والإلية. يتشابه هذا الألم مع ما يشعر به المريض بانزلاق غضروفي أو تضيق في القناة العصبية لكن يختلف عن عرج التدخين في أن الألم يأخذ فترة طويلة أكثر من نصف الساعة حتى يتحسن، والمرحلة الثانية هي مرحلة ألم الراحة: وهو عبارة عن ألم وحرقان يشعر به المريض في جلد القدم، يحدث عادة ليلاً، حيث يقل الدم المتدفق من القلب للأطراف مع الراحة وفقدان الجاذبية الأرضية كعامل مساعد ويتحسن الألم عندما تتدلىَّ الرجل بجوار السرير.
مع تقدم المرض تحدث تِغيُّرات في الجلد من حيث اللون والمرونة والحرارة نظراً لنقص التروية الدموية ولا يوجد نبض محسوس بالقدم، أما المرحلة الثالثة فهي موت الأنسجة، فنظراً لعدم كفاية الدم والأكسجين تظهر القرح التي لا تلتئم وتسود الأصابع ويموت الإحساس بها، ثم يمتد بالتدريج إلى باقي أجزاء القدم وتصل في النهايات إلى غرغرينا بالقدم، يتبعها في النهاية فقدان القدم المصابة.
السيجارة الإلكترونية
ويوضح الدكتور عادل عبد التواب الشناوي استشاري الأمراض الصدرية، أنه على الرغم من ظهور بعض القناعات بأن السيجارة الإلكترونية أقل خطرًا من السيجارة العادية، بل إنها تساعد على التخلص من إدمانها، إلا أن هناك دراسات أثبتت خطر السيجارة الإلكترونية وخاصة عند الأشخاص الذين لم يسبق لهم التدخين من قبل، والسجائر الإلكترونية هي أجهزة تعمل ببطارية تُسخِّن سائلاً (عادةً ما يحتوي على النيكوتين، لكن ليس دائمًا) محولةً إياه إلى بخار يمكن استنشاقه. وأحيانًا يُطلق عليها المرذاذ الإلكتروني أو أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية. وبالإنجليزية، تسمى عملية تدخين السجائر الإلكترونية أحياناً «vaping»، وتعني التبخير، حيث تشبه بعض السجائر الإلكترونية السيجارة التقليدية أو السيجار أو الغليون. يشبه بعضها الآخر الأقلام أو أجهزة الذاكرة الوميضية أو قد يكون تصميمها مختلفًا تمامًا.
وفي الأشهر الأخيرة، أبلغت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة عن أكثر من 2500 إصابة رئوية مرتبطة بتدخين السجائر الإلكترونية، ويتعلق معظمها بمنتجات تحتوي على رباعي هيدروكانابينول (THC)، مشيراً الدكتور عادل الشناوي إلى أن السجائر الإلكترونية التي تحتوي على النيكوتين ليست آمنة -كما يروج لها- للمراهقين أو البالغين الصغار أو النساء الحوامل، ويمكن للنيكوتين أن يضر بنمو الدماغ لدى الأطفال والشباب في أوائل العشرينات، وهو سام للأجنّة خلال نموها، وقد أصيب أطفال وبالغون أيضًا بالتسمم عن طريق بلع سائل السجائر الإلكترونية أو تنفسه أو امتصاص أجسامهم له من خلال الجلد أو العينين، وفقًا لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وبالنسبة للشباب والبالغين غير المدخنين؛ فإن استخدام السجائر الإلكترونية يعرضهم لخطر إدمان النيكوتين، وقد يقودهم ذلك إلى تدخين السجائر الإلكترونية على المدى الطويل، والتي لا تُعرف آثارها، أو إلى تدخين السجائر التقليدية.