حمد بن عبدالله القاضي
* يرحل بين فترة وأخرى رمزٌ من رموز الكلمة ورواد الأدب وحافري الصخر ببواكير منظومتنا الثقافية.
وآخر من فقدنا الأديب الرائد عبدالله بن إدريس - رحمه الله.
وهو من جيل الأدباء الموسوعيين مقالاً وشعراً وبحثاً وعلماً وعطاءً مشهوداً بمؤسساتنا الثقافية والتعليمية.
وهو كما بالعنوان الذي وسمتُ به المقال ووضعته لاسم ندوة الوفاء التي أقامتها وزارة الثقافة تأبيناً له بختام معرض الكتاب الدولي.
وهذا التوصيف له هو أصدق ما يوصف به من واقع مسيرته الحافلة إنتاجاً وإنجازاً.
* * *
* لن أستطيع أن آتي بكل ما أعطاه وأبدعه بهذه المسارات بحياته الثقافية ومنجزه الأدبي، لكنها وقفات سريعة.
ففي الأدب ظل الشأن الأدبي هو توأمه قراءةً وكتابةً وتوثيقاً، وانطلق بذلك من التنظير إلى تجسيد ذلك بعمل ثقافي مرجعي «شعراء نجد المعاصرون» الذي لم يكن تدويناً لسير هؤلاء الشعراء وعرض نماذج من شعرهم، إذ هو دراسات أدبية ونقدية لشعرهم باستخدام مذاهب الشعر والنقد الحديثة والتي لم تكن مصطلحاتها معروفة أو متداولة بالوسط الأدبي عدا لدى نفر محدود من المعنيين بالنقد الأدبي.
* * *
أما رحلته مع الشعر فإن العادة أن الدارس للشعر لا يكون مجيداً حين يدخل مدارات الشعر لكن الرائد ابن إدريس كما كان متألقاً بدراساته الأدبية كان مبدعاً بنصوصه الشعرية التي جاب فيها سماوات الشعر تأملاً ووجداناً ووطنيات وإنسانيات.
وكان للشعر مكان حميم بوجدانه ربما فاق عنده كل عطاءاته الأخرى ولغزارة شعره أصدر عدداً من الدواوين امتازت قصائدها بقوة المضامين وقوافيها بجمال المفردة، ولوحاتها بإبداع الصورة.
* * *
* أما جانبه الصحفي فقد كان -رحمه الله - أحد المجددين فيه كما هو شأنه بكل مجال يعطي فيه.
فقد انطلق بمجلة الدعوة المحافظة وذات السمت الديني.. انطلق بها حين تولى رئاسة تحريرها إلى عالم الصحافة الحديثة وأدخلها ميادين لم يكن لها أن ترتادها وأن تُوجد بصحيفة محافظة لولا نزعته التجديدية؛ فقد دخل بها عالم الرياضة وأوجد صفحات للمرأة، فضلاً عن افتتاحيات المجلة الشهيرة التي كان يكتبها وكان يتناول فيها قضايا الساعة وأحداث العالم، وهموم أمته العربية والإسلامية، وقد جاء هذا بحكم وعيه المبكر ومتابعته لما يدور بالكوكب الأرضي وخاصة ما يتعلَّق بوطنه وأمته.
* * *
* وبمقالاته بمجلة الدعوة وغيرها من الصحف والمجلات كان هاجسه الوطن: أمانه ونماؤه.. ومواكبته لأكثر دول العالم تطوراً، فضلاً عن تناوله ما يهم المواطنين من طموحات ومطالبات تنموية.
وكانت طروحات قلمه تأتي عبر أفكار جديدة.
فقد طالب مع مجايليه من الرواد التنويريين بتعليم المرأة وإنشاء جامعة والمزيد من انتشار وتطوير الخدمات الصحية وغيرها كثير. * * *
* بقى التوقف عند آخر محطة بهذا المقال، وهي أنه -رحمه الله - لم يكن منظّراً أو ناقداً فقط، بل جسّد ذلك بعطاء مشهود، حيث جسّر التنظير بالتفعيل مشاركةً منه بالدفع بمنظومتنا الثقافية.
فحين تولى رئاسة النادي الأدبي بالرياض أوجد فيه حراكاً صنع به الفرق سواءً بمناشطه المنبرية أو الورقية وأشرع أبوابه لكل الأطياف كباراً وصغاراً ونساء، حيث شاركوا وتفاعلوا مع برامجه سواء بقاعة النشاط المنبري بالنادي أو بنشر الكتب التي أصدرها النادي أو بالورش التي كانت تحفل بها أروقته.
* * *
* وبعد
أدعو النادي الأدبي بالرياض أن يُبقي ذكره وهو الذي قضى أطول فترة زمنية برئاسته وأبرز من تولى رئاسته، حيث بث فيه نشاطاً واسعاً متميزاً.
لذا لعلّ مجلس إدارة النادي يُسمّى قاعة النادي باسمه، فهذا شرف لها وإبقاءً لذكره وهو الذي نذر له نضارة عينيه حين كان يدير النادي لأكثر من عشرين عاماً.
رحمه الله كِفاء ما قدَّم لدينه ووطنه وثقافته ومثقفي بلاده.