د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
لم يرد (كلّ مِن) بمعنى (كِلا) المضافة لمثنى في القرآن، وأما في الحديث فتجد بعدها ما يراد به الجمع لا المثنى وهو (كلٌّ منكم) قال صلى الله عليه وسلم «قَدْ تَصَدَّقَ كُلٌّ مِنْكُمْ بِعُشْرِ مَالِهِ»(1)، والمسوغ دخول (من) على ما يدل على جمع، وتوسع الناس في الاستعمال منذ القرن الرابع فأُدخل (كلّ من) على المثنى لفظه، نجد ذلك في استعمال النحويين أنفسهم، من ذلك قول ابن جني «وتريني أن تعريد كل من الفريقين: البصريين والكوفيين عنه»(2)، وهو يريد: وتريني أنّ تعريد كِلا الفريقين: البصريين والكوفيين عنه. وكذا قول الرضي «وعلى كل من التقديرين»(3)، وهو يريد: وعلى كِلا التقديرين، وقوله «فيكون على غير رواية أبي علي في كل من المصراعين ضرورة»(4)، يريد في كِلا المصراعين ضرورة. ومعنى هذا أنّ (كلّ من) نابت عن (كلا وكلتا)، ولعل هذا ما أغرى ابن مالك بالقول إن (كلّهما) تغني عن (كلا وكلتا)(5)، ولكن النحويين كأبي حيان توقف في ذلك، قال «وزعم ابن مالك: أنه يستغنى بكلهما عن كليهما، وعن كلتيهما نحو: قام الرجلان كلُّهما، وقامت المرأتان كلُّهما أي كلاهما وكلتاهما، ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب»(6).
وقد يستعمل (كل من) من غير أن يراد به (كلا/كلتا) كقول المرادي «أن يتوجه كل من العاملَين إلى الاسم الذي توجه إليه الآخر»(7)، لأن المثنى غير مراد هنا؛ إذ المراد: أن يتوجه كل عامل من العاملين إلى الاسم الذي توجه إليه الآخر، لا أن يتوجها معًا إلى الاسم، فلا يسوغ إحلال (كلا) هنا.
وأما قول الرضي «والتصغير في كل من فُويق وجُبيل ليس للتقليل»(8) فسائغ لأن ما بعد (من) غير مثنى اللفظ، وقد نص النحويون على أن (كِلا) إن أضيفت إلى اسم ظاهر وجب تعريفه وتثنيته، «فلا يجوز (كِلا زيد وعمرو)»(9)، ويجوز الإضافة إلى ما هو بمعنى المثنى(10) كقول النمر بن تولب:
فإن الله يعلمني ووهبًا ... ويعلم أن سيلقاه كِلانا
وقول عبدالله بن الزبعرى:
إن للخير وللشر مدى ... وكِلا ذلك وجه وقَبَل
ويرد في الشعر إضافة (كِلا) إلى غير لفظ المثنى بل إليه مفرقًا، نحو قول الشاعر:
كِلَا السَّيْفِ والساقِ الذي ضُرِبَتْ به ... على دَهَشٍ ألْقاهُ بَاثنَيْن صاحِبُه
وعلى ترك (كِلا)، لأنه لا مثنى في اللفظ، قول المرادي «يعني: أنه جوز حذف كل من المبتدأ والخبر إذا علم»(11)، وقوله «كلٌّ من ظرف الزمان وظرف المكان قسمان»(12)، وقول ابن هشام «كل من الأعداد مستثنى مما يليه»(13)، وقوله «يبدل كل من الاسم، والفعل، والجملة من مثله»(14).
والذي ننتهي إليه أن الأَوْلى أن تستعمل (كِلا) إن كان ما بعدها معرفة مثنى اللفظ، وأن تستعمل (كلٌّ من) في المواطن التي لا يصح استعمال (كِلا) فيها لأن اللفظ غير مثنى اللفظ، أو لأن اللفظ جمع، أو لأن الدلالة تقتضي تجنب الإضافة إلى المثنى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - -
(1) أبو محمد الحارث بن محمد بن داهر التميمي، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، 1: 395.
(2) ابن جني، الخصائص، 1: 2.
(3) الرضي الأستراباذي، شرح شافية ابن الحاجب، 4: 6.
(4) الرضي الأستراباذي، شرح شافية ابن الحاجب، 4: 329.
(5) ابن مالك، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، ص164.
(6) أبوحيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، 4: 1949. وانظر: ابن عقيل، المساعد، 2: 387. والشاطبي، المقاصد الشافية، 5: 24.
(7) المرادي، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، 2: 634.
(8) الرضي الأستراباذي، شرح شافية ابن الحاجب، 4: 87.
(9) ابن هشام، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، 3: 118.
(10) الزمخشري، المفصل، 119.
(11) المرادي، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، 1: 485.
(12) المرادي، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، 2: 661.
(13) ابن هشام، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، 2: 237.
(14) ابن هشام، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، 3: 371.