كثيرون من يعرف الأستاذ الدكتور عبد المحسن بن فراج القحطاني، سواء من المثقفين والأدباء أو من طلابه وزملائه، فجميعنا نعرف حضوره الثقافي منذ أكثر من أربعين عاماً في العمل الاكاديمي بين مدرجات جامعة الملك عبدالعزيز محاضراً ومسؤولاً في عدد من المناصب الإدارية والأكاديمية، أو من خلال عمله في النادي الأدبي الثقافي بجدة ، عضواً ثم رئيسا للنادي، في فترة كانت من أخصب الفترات الثقافية الوطنية، فكان امتداداً لتلك الحقبة الرائعة التي صنعها زميله الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين (رحمه الله), وظل دوره التنويري والفكري والثقافي بعد انتهاء فترة رئاسته للنادي مستمراً ومحلِّقًا وفاعلًا من خلال أسبوعيته العامرة التي يقيمها في منزله بصورة شبه أسبوعية مستضيفاً أحد الأعلام في حقل من حقول المعرفة، ويحضرها صفوة من الأدباء والمفكرين، بحيث أصبحت محط أنظار الكثيرين في محافظة جدة ومن حولها. كل ذلك أمر معروف وجلي، وربما يتحدث عن ذلك بعض من يعرف الدكتور. فضلاً عن ذلك مشاركاته العلمية والثقافية باحثًا وناقدًا وناشرًا لعدد من الدراسات الأدبية والنقدية في مؤلفات أو دوريات عربية محكمة، ومشاركاً في عدد كبير من الندوات والمؤتمرات العلمية عبر الوطن العربي.
وعندما استحضر شخصية أستاذنا القدير أبي خالد، لا أريد تعريف المعرَّف بتلك الإنجازات التي منحته المكانة اللائقة به بين مثقفي وطننا العزيز، وإنما لفت نظري فوق ذلك أمران مهمَّان:
أولهما: شخصيته الإنسانية المتمثلة في قربه من طلابه وزملائه، إذ لا زال يتواصل معهم داعيا لهم للمشاركة في فعاليته ومشجعا لظهورهم في المشهد الثقافي سواء كان في النادي الأدبي الثقافي إبان رئاسته، أو في أسبوعيته الثقافية. فكثيرون من أساتذتنا في الجامعات السعودية من نكنُّ لهم كلَّ تقدير واحترام، تعلمنا منهم وأفدنا من عطائهم العلمي وتوجيهاتهم، ولكن أغلبهم انتهت أدوارهم والعلاقة بهم حال تخرجنا من الجامعة، وقليل جداً من ظلت علاقتنا به متصلة وحميمية، ولعل من أولهم أستاذنا القدير الدكتور عبد المحسن القحطاني أمده الله بالصحة والعافية.
الأمر الثاني: أسلوبه عندما يتحدث، فعندما يشرع في الحديث عن قضية أدبية أو ثقافية تلمس فيه علاقته الوطيدة باللغة العربية الفصحى، دون تقعر في الكلام، أو لحن في الأداء، بلغة سهلة يستمتع بها كل من يستمع إليه، متخصصاً أو غير متخصص، فكأنما هو يتخير ألفاظه بعناية الأديب اللغوي ، يتدفق الحديث على لسانه كالسلسبيل العذب، ولا جرم في ذلك فقد عاشها متعلما وعالما ردحا من الزمن، ودرب ذوقه معرفته بالخصائص الصوتية وجرس الحروف عبر لزومه تدريس العروض والقافية فترة زمنية طويلة، حتى أكسبته هذا الحس الصوتي لألفاظ العربية ،التي انطبعت في أسلوبه وذائقته اللغوية.
** **
- د. عايض سعيد القرني