جازان منذ القدم وهي منبع العلماء والفقهاء والشعراء والمبدعين في المجالات كافة.
وكما يزخر بحرها بالخيرات المتنوعة، فإن أرضها تزخر برجالات عِظام كرام، في الشعر والأدب والفقه والقضاء والتعليم وغيرها من العلوم والمعارف المختلفة.
أطلَّ علينا عبر إحدى الفضائيات قبل أيام، شاعر بيش المُفْلِق، وسيلها الهادر الشاعر الكبير «حسن أبو علة» -أطال الله في عمره وحفظه- فكان كإطلالة القمر من بعد طول غياب، إطلالةً أبهجت محبي شعره، وأشعرتهم بإنصافه الذي يستحقه، فسبى لب سامعيه ومشاهديه بروعة أشعاره، وبهاء إطلالته.
كل مرةٍ أستمع فيها إليه أردد بأسفٍ شديد:
خسارةٌ أن هذا الشاعر المبدع لم يعرفه كثيرٌ منا إلا منذ فترةٍ قصيرةٍ، وهو من قد أبحر في عالم الشعر منذ عقودٍ طويلةٍ، إلا أن نفائسه الشعرية لم تصلنا إلا منذ زمنٍ قريب.
قد يقع بعض اللوم على بعض أبناء جازان خاصةً من الشعراء والمثقفين والإعلاميين الذين لم يعملوا على نشر أشعار هذا العملاق، والتعريف به خارج منطقتهم، إلا أني ألتمس لهم العذر أيضًا إذا ما عزونا السبب إلى زهد شاعرنا القدير ربما، في الظهور الإعلامي في العقود الماضية، وأنه هو ما صرفه عن التوجه لوسائل الإعلام في الماضي، خاصةً أنه من الرعيل الأول الذين لا يولون الظهور في وسائل الإعلام أهميةً كبرى، إيمانًا منهم بأن روائع شعرهم ستجد طريقها إلى محبي الشعر الرصين بطريقةٍ أو أخرى، فهم جيلٌ يولون اهتمامهم بتجويد شعرهم، لا بنشره.
وإن كان يُحسب لنادي جازان الأدبي أنه من عرفنا وبشكلٍ رسمي بهذه القامة الشعرية السامقة، قبل سنواتٍ قلائل مضت.
في عالم الشعر جودة الإلقاء لا تقل عن جودة النظم، فمن جمعهما جمع المجد الشعري من أطرافه، خاصةً إذا علمنا أن شعراء كبارًا كانوا لا يحبون إلقاء قصائدهم بأنفسهم وعلى رأس هؤلاء أمير الشعراء/ أحمد شوقي، الذي كان يوكل لغيره من المجيدين لفن الإلقاء إلقاء قصائده نيابةً عنه حفاظًا على جمالها.
وإذا نظرنا إلى الشاعر الرائع حسن أبو علة، نجد أنه قد جمع فعلًا بين الشعر العربي الأصيل الرصين، وبين كاريزما مذهلة كانت بمثابة البصمة الخاصة به، مما يجعل متابعيه يحتارون هل يبحرون معه حين يلقي درره الشعرية، أم يتأملون انفعالاته وتعابير وجهه ولغة جسده أثناء إلقائه الساحر، أم يرخون أسماعهم لصوته الفخم الذي ينتقل بين طبقةٍ وطبقةٍ أخرى صعودًا وهبوطًا وسكونًا، فيحلق بنا إلى أعلى درجات المتعة الحسية والنفسية.
وهذا مما يحسب له، ويجعله في مصاف كبار الشعراء حقيقةً وليست مجاملةً أو منةً من أحد، فالمبدع الحقيقي يفرض نفسه، مهما غيَّب نفسه عن الشهرة، أو تم تغييبه من الآخرين، وليس الكلام هنا عن شاعرنا الفحل تحديدًا، بل عن المبدع الحقيقي في كل زمانٍ ومكان.
أخيرًا بزغ نجم شاعرنا العملاق، لننعم بضياء إبداعه، نحن عشاق الشعر العربي الأصيل والرزين، وبدا لنا بدر تام الكمال في سماء بيش، جعلنا نُيمم قلوبنا المحبة للإبداع الحقيقي صوبها، وهبت علينا نسائم أشعاره العليلة من أرض الفل والكادي، فامتلأت صدرونا بعطر حروفه الشذية حتى قلنا ليته لا يسكت.. ليته لا يسكت، فقد أعاد لذائقتنا الشعرية مباهجها وأنعشها، فلله دره من شاعرٍ شاعر.
** **
- عائشة عسيري (ألمعية)