زادت خدمة الأستاذ الدكتور عبدالمحسن بن فرّاج القحطاني على نصف قرن قضاها متقلباً في أعمال جليلة خدم بها وطنه وأمته العربية والإسلامية في سيرة يمتزج فيها الكفاح مع الصبر والإصرار على النجاح والإنجاز، متدرجاً من معلم يحمل الشهادة الجامعية فقط إلى أن حصل على أعلى الرتب في جامعته: جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، ثم رئيساً لمجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة لمدة أربع سنوات.
ففي الجامعة درّس طلاب المرحلة الجامعية، وطلاب الدراسات العليا، وأشرف وناقش عددًا من الرسائل الجامعية في الماجستير والدكتوراه، سواء في جامعته، أو في الجامعات السعودية بشكل عام، وأسهم في تحكيم البحوث العلمية للمجلات العلمية المحكّمة، وفي ترقيات الأساتذة الجامعيين، وأُسندت له العديد من المهام الإدارية في الجامعة، وكان دائمًا محل ثقة المسؤولين فيه.
وأما النادي الأدبي الثقافي في جدة فقد اتصل به اتصالاً وثيقًا: محاضرًا، ومداخلاً، ومشاركًا في لجانه وفي ملتقياته، ثم اُنتخب رئيسًا لمجلس إدارته بضع سنوات كانت حافلة بالمنجزات.
وبعد تقاعده من العمل في الجامعة، وخروجه من مجلس إدارة النادي لم يركن إلى الراحة، بل أسّس ندوة أسبوعية في منزله بمدينة جدة كل أربعاء، وندوة أخرى في منزله بالقاهرة، وأسّس مركزًا ثقافيًا يحمل اسمه، وحمل مشعل الثقافة والتنوير أينما حل أو ارتحل، وأضاف إلى المكتبة العربية مؤلفات رصينة في تحقيق التراث ودراسة الأدب السعودي، ووثّق لحياته بعمل إبداعي متميز، وهو «بين منزلتين».
وليس هذا فحسب، بل إننا نجد له حضورًا بارزًا على مدى سنوات طويلة في اثنينية عبدالمقصود خوجة، ولا يخلو حفل له من كلمة مرتجلة تحمل فكرًا وتحليلاً وإضافة، وتستحق كلماته وحدها دراسة مستقلة، إضافة إلى مساهماته العديدة في معظم الملتقيات والمؤتمرات في داخل المملكة وخارجها.
ولست أذكر على وجه التحديد متى بدأت صلتي به، غير أن المؤكّد أنني قرأت له في الصحف والمجلات بعض المقالات والبحوث قبل أن أتعرف عليه شخصيًا، كما اطلعت على بعض إنتاجه المطبوع في كتب، وخاصة كتابه «شعراء جيل» الذي درس فيه من ضمن من درس شعر حسين سرحان، وهو أديب يدخل في نطاق أولوياتي.
ثم تعرفت عليه عن قرب في أكثر مناسبة ثقافية في جدة والرياض، وخاصة في الملتقيات التي تنهض بها الأندية الأدبية، وأتوقف عند مناسبتين تلقيت فيهما دعوة شخصية منه، الأولى في عام 1428هـ / 2007م حينما هاتفني وطلب المشاركة في ملتقى قراءة النص الذي سيكون عنوانه «السيرة الذاتية في الأدب السعودي»، فتفاعلت مع دعوته، وشاركت ببحث وكتاب، وعقدت هذه الدورة من الملتقى في عام 1429هـ / 2008م، والمناسبة الثانية في عام 1438هـ / 2016م حينما هاتفني مشكورًا وطلب محاضرة في أسبوعيته الثقافية التي يقيمها في منزله العامر في جدة، فتشرفت بتلبية الدعوة، وألقيت محاضرة عنوانها «منجز لم يُنصف: معجم المطبوعات العربية للطاهر نموذجًا»، وكانت هذه المحاضرة نواة كتابي «علي جواد الطاهر وجهوده في التأريخ للأدب في المملكة العربية السعودية» الذي صدر العام الماضي (1442هـ) عن دارة الملك عبدالعزيز.
وهذا التواصل وهذا الدعم لي ولجيلي يمثل جوانب من شخصيته الفاعلة المتسمة بالخلق والأدب الجم التي أخذت على عاتقها تحريك الساحة الثقافية وإشراك الجميع من كل المناطق في كل المنابر التي تولى قيادتها والإشراف على فعالياتها الثقافية، وبخاصة في النادي الأدبي الثقافي بجدة، وفي أسبوعيته، أو منتداه الذي يقيمه في منزله.
وقد خطّط مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للأدب العربي التابعة لجامعة أم القرى حينما كان الزميل أ.د.ظافر بن غرمان العمري رئيسًا لمجلس الإدارة لتكريمه وإصدار كتاب تذكاري عنه، غير أن انتهاء فترة تكليفه وظهور وباء كورونا حالا دون تنفيذ الفكرة، ونأمل من المجلس القادم الذي سيخوض الانتخابات قريبًا بحول الله تكريمه والاحتفاء به، ونحن في خدمة المجلس بوصفنا أعضاء في الجمعية العمومية، وأعضاء سابقين في مجلس الإدارة.
وبعد، فشكرًا للمجلة الثقافية نشر هذا الملف عن أستاذنا الغالي الدكتور عبدالمحسن القحطاني، وستكون مادته إضافة للكتاب التذكاري بحول الله.
وتحية للزميلين: الدكتور إبراهيم التركي مدير تحرير جريدة الجزيرة للشؤون الثقافية، والأستاذ صالح الخزمري.
** **
- أ.د.عبدالله بن عبدالرحمن الحيدري