كلما رأيت الأستاذ الدكتور الأديب الباحث عبدالمحسن بن فَرّاج القحطاني.. أشعر تمامًا أنني أتكلم مع أبي.. لا لِكِـبَرِ سنٍّ في الدكتور عبدالمحسن، ولا لِصِغَـرِ سِـنّ عندي لكنها النظرة العاطفية الحانية التي يغشاك بها كلما التقيته واحتواك بلطفه، وحديثه اللين الطريف.
وهي نظرة تلبسك حين ترى أحدًا من الناس مثله، نظرة قد تكبر وتصغر وتضيق وتتسع أو أنها لا تلبث أن تكون في لحظات عابرة سريعة تذهب ولا تعود، أو تبقى ولا تزول.
إلاّ الدكتور عبد المحسن الذي يأسرك في الاستماع له وهو يتحدث فتتسمر صامتا أمامه حتى لا يفوتك شيء من حديثه النافع.
هذه مقدمة سريعة وعامة لحديثي، وشهادتي الصادقة العميقة في أستاذنا أبي خالد التي أتشرف بعرضها في هذا الملف التكريمي له.
أتذكر أول لقاء مع الدكتور القحطاني كان في بهو (فندق قصر الرياض) ضمن ضيوف مهرجان الجنادرية عام 1426هـ، وكنت قد التحقت بحلقة من ضيوف وأدباء المهرجان في أمسية شعرية مُقامة في بهو الفندق، وطلب مني الأستاذ حسن آل خليل مدير النشاط الثقافي بالمهرجان أن أشارك بشيء من شعري.. وفوجئت بالطلب لأنني لم أكن مستعدًا.. ولكن استدعيت ذاكرتي وقلت مقطوعة قصيرة أولها:
بريدكِ لا يأتي وأنتِ بعيدة وفي القلب أشواقٌ يُبَرِّحُها البُعْـدُ.... إلخ
فما كان من الدكتور عبدالمحسن إلا أن أشاد بهذه المقطوعة قائلاً هذا الشاب الشاعر (الحساوي) يذكرنا بعمر بن أبي ربيعة في هذه القصيدة، ومنها استمر التواصل معه في مناسبات و مهرجانات و ملتقيات عديدة في الرياض وجدة والأحساء وبعض مدن المملكة في مهرجانات الأندية الأدبية.
وأذكر أنني كلما رأيته قلت له: إنك تشبه الشاعر الكويتي يعقوب السبيعي (حسب ما تراه عيني).. فيبتسم.
إن الدكتور عبدالمحسن القحطاني قد استحق أن يكون أحد الأسماء السعودية الهامة في قائمة الأدباء والأكاديميين والإداريين الناجحين، بما قدمه من أعمال وبحوث ورؤى، وبخاصة حينما كان رئيسًا لمجلس إدارة نادي جدة الأدبي.
ولقد أتيحت لي فرصة حضور إحدى ندواته الأسبوعية في دارته بجدة وذلك مساء الأحد 11-6-1434هـ، الموافق 21-4-2013م، وكانت محاضرة للأستاذ الدكتور محيي الدين محسب رحمه الله، وعنوانها (اللغة تفعل) وشاركتُ فيها بمداخلة طريفة رصدها بالنص كتاب الأسبوعية للموسم الثاني عام 1433-1434هـ، وأعرض هنا طرفًا منها:
«تعمدت أن آتي يوم الأحد إلى جدة حتى أحظى بشرف حضور هذه الأسبوعية، التي تمطرني رسائلها الجميلة، جئتكم من الأحساء، بنخيلها، وعيونها، وأناسها الطيبين؛ لكي أحتضن عيونكم وقلوبكم، ولكي أحظى بهذا الجمع، وأكون في معية أستاذنا، الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني، في هذه الأسبوعية، التي سأنقل كل ما أراه هنا إلى الأحساء. استوقفتني بعض عبارات اللغة البسيطة، في أثناء حديث الدكتور، وعندي شخصيًا مشكلة بسيطة مع (عبارة) في اللغة العربية، فأنا أعرف أن العبارة التي سأقولها هي عبارة صحيحة، ولكن المشكلة فيَّ، ولكنني لا أستطيع أن أستوعبها، وهي عبارة: تخرج في الجامعة، فأذني تستسيغ تخرج من الجامعة، مع أن جميع المختصين والأكاديميين، يؤكدون أن الصحيح: تخرج في. الأمر الآخر، أن الصديق الدكتور حسن النعمي لفت نظري باستشهاده بشعر كامل الشناوي، واسمحوا لي أن أستشهد بمقولة شعبية، في أغنية لمحمد رشدي، اسمها كعب الغزال:
مَتْبَطَّل تِمشِي بِحِنِّيّة لَيْقوم زلزال !
انظر إلى هذا التعبير! لم أر مثله في اللغة العربية، وشكرًا لكم».
وقد فعل حسنًا برصد وتوثيق كل ندوات أمسيته الأسبوعية وطبعها في كتاب ورقي يأتي في أجزاء متعددة.. يزين به المكتبات ويكون مرجعًا هامًا للباحثين والمثقفين والأدباء .. حيث إن موضوعات الندوة تأتي متنوعة ومدروسة ودقيقة وباختيار أسماء سعودية وعربية بارزة من علماء وأدباء مختصين في المواضيع المختارة.
ولعل اختيار(مساء الأحد) وقتًا للندوة جاء مقصودًا ومتعمدًا وذكيًا، حيث يسبق يوم الندوة يوم (إثنينية) عبدالمقصود خوجة ـ شفاه الله وعافاه ومتعه بالصحة والسلامة ـ ليتمكن بعض ضيوف الإثنينية القادمين إلى جدة من حضور (الأحدية القحطانية) أيضا، وبذلك تكسب أمسيته ضيوفًا من مختلف مناطق المملكة ودول الخليج العربي.. وإن كان أغلب الضيوف يأتي خصيصًا لندوته بدعوة مباشرة منه.
كما حرصت أن ألتقيه في آخر حضور شخصي لمعرض الكتاب بالرياض عام 1439 هـ، 2018م في فندق ماداريم، وهذا تأكيد ومصداق لما ذكره معد هذا الملف الصديق الأستاذ صالح الخزمري في إشارته إلى حضور أستاذنا الدكتور القحطاني الدائم في كافة المحافل والمناسبات الثقافية داخل وخارج بلادنا.
وبالطبع تمت استضافته في نادي الأحساء الأدبي في مواسمه الثقافية ومهرجان جواثا الثقافي وغيره للمشاركة في تقديم وإدارة محاضرات وندوات معدة لذلك.
ولا أقصد من هذه المقالة السريعة إلا أن علاقة الدكتور عبدالمحسن القحطاني مع أبنائه وإخوانه علاقة أديب بمريديه، وأستاذ بتلاميذه، وصديق بأصدقائه.
حفظ الله أستاذنا أبا خالد ومتعه بالصحة والعافية وطول العمر.
** **
- محمد الجلواح