يعد الأديب والمثقف الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني أحد أعمدة الحركة الثقافية في صورتها الأعم والأشمل، بما يتميز به من معرفة عالية في إطار تخصصه الدقيق والعام، وكمال خلق مقتبس من أخلاق عربية أصيلة، جعلته يعسوباً بين جمهرة المثقفين جملة والناس أجمعين. وهو ما يمكن أن يشهده أحدنا حين ندلف إلى أسبوعيته الثقافية التي يرتادها الجميع محبة وإيمانا بما تقدمه من محتوى يستحق الوصول إليه. وفي تصوري فإن ملكته في استقطاب من حوله، وحول من حوله، راجع إلى شخصيته التي جمعت بين الأصالة والحداثة، ليس على صعيد الأدب وحسب، وإنما أيضا على صعيد الحياة بمجملها، فالجالس في حضرته يستشعر عمق الصحراء بأصالتها وتاريخها المجيد، ويتلمس في ذات الوقت رقة المدينة وتنوع مشاربها، وكل ذلك ما كان ليتأتى لولا أنه قد عاش بين زمنين، وأحب أن يكون حاضرا بوجدانه وذهنه فيهما وهي خصيصة قلما يجيدها أحد.
على أن هذه الخصيصة قد كانت بمثابة الميزة التي جعلته متفرداً حال رئاسته للنادي الأدبي الثقافي بجدة، وهو أحد أهم محركات الثقافة السعودية، ثم إنه قد خلف قامة كبيرة في رئاسته وهو الرائد عبد الفتاح أبو مدين، فقاد أديبنا القحطاني المركب بعمقه المعرفي، وفطنته العربية الأصيلة، وفتح ذراعيه لكل جديد بعيداً عن الانحباس في القوالب السابقة، وهو ما أتاح لي كمثقف ناشئ ولغيري أيضاً الظهور على حلبة النادي الثقافي، وأحسب أن ذلك يحسب له. وهو أيضاً ما استكمله في سياق أسبوعيته الثقافية التي أزعم أنها أهم ندوة ثقافية اليوم بمدينة جدة، ولا أظن أن لها شبيها من حيث الأسلوب والمحتوى، وفيها فتح ذراعيه مجدداً لمختلف التيارات الثقافية لتعبر عن رأيها، وتقول ما في خاطرها، وأتاح الفرصة لجيل جديد من المثقفين ليشاركوا في رسم خريطة المشهد سواء عن طريق التقديم والإدارة، أو تقديم محاضرة في فنه وموضوعه الذي يريد. والأجمل بعد ذلك أن هذا الجهد وتلك البصمات قد تم حفظها عبر تسجيلات مرئية، وتوثيقها عبر مصنفات ورقية يمكن لأي أحد الحصول عليها دون مقابل، وهو ما يعد علامة فارقة في المشهد، تؤكد على تميزه كإنسان وكمثقف وكفى بذلك تميزاً وخلوداً.
** **
- د. زيد بن علي الفضيل