د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في عقود ماضية سلفت، كان الإنسان يحصل على ما يحتاجه من الطاقة من خلال جمع أعواد من الحطب يوقد ناره فيها، ويستفيد من تلك النار في التدفئة وفي طهي طعامه، وتسخين مائه، وتدفئة منزله، وهذا كل ما يرتجى من الطاقة، أما مواصلاته وتنقلاته فتتم من خلال ركوب خيله، أو جمله، أو حماره، أو يترك لساقيه العنان لتنقله إلى حيث يشاء، مع ما يصاحب ذلك من مصاعب، أما ما عداه فإنه غير متاح، وبعد أن تطور الإنسان مع الزمن، واستطاع، لاسيما في الغرب، أن يحول الطاقة الكامنة إلى طاقة متحركة، أخذ في الاستغناء عن الحيوان، أو رجله، في أغلب تنقلاته مستفيداً من ذلك التحول في الحركة الساكنة إلى متحركة، وهذا في حد ذاته إنجاز إنساني عظيم، يكاد يعتبر أفضل إنجاز وصلت إليه البشرية، بالإضافة إلى الكهرباء، كان الفحم الحجري سيد مصادر الطاقة وظل كذلك مدة طويلة من الزمن، حتى بعد اختراع القطار كوسيلة نقل كان الفحم الحجري هو مصدر الطاقة الوحيد إلى أن جاء النفط ليتربع على عرش الطاقة ويقود الصناعة، والنقل بخطوات متسارعة إلى عالم جديد، يرفل بالتقدم والرفاهية. زاد الطلب على النفط، وتوسع العالم في استخدامه، وأخذت الشركات تبحث عن حقول جديدة، وتطور حقول قائمة، وأصبح السباق بين العرض منه، والطلب عليه، ظاهراً للعيان، وكان الغاز رفيق درب النفط في ذلك المضمار، سواء كان الغاز مصاحباً أو حراً، ولم يشهد العالم أزمات تذكر في مقدار المعروض إلا بسبب فعل الإنسان نفسه مثل الحروب، وهذا ما حدث أثناء حرب الأيام الستة، والحرب العراقية الإيرانية، أو مشاكل فنزولا المزمنة. قبل أكثر من ثلاثين عامًا من الوقت الحالي، فتح العالم الغربي الباب الصيني، الذي كان موصداً، رغبة منه في الوقوف معه في وجه الاتحاد السوفيتي أيام الحرب الباردة، مستغلاً الجفاء السوفيتي للصين، المشتركة معه في الايدلوجيا الشيوعية، مع تفاوت في المفهوم حول تطبيقها، لم يكن يدور بخلد العالم الغربي أو غيره آنذاك، انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه بتلك السرعة، لكن ذلك حدث وأصبح واقعاً.
أصبح هناك عالم جديد في ميدان الطلب على الطاقة، لم يكن مألوفاً، فهناك دول جديدة متحررة من النمط الاشتراكي في الاقتصاد، مما يعني زيادة في استهلاك السلع، ونمو في الصناعة، ومن ثم زيادة في الطلب على النفط، بشكل واضح وملموس، يرتفع مع الزمن بخطوات سريعة. والصين الوافد الجديد على ميدان الطاقة بسكانها البالغ نحو مليار نسمة عند بدء الانطلاقة، والذي أصبح الآن يبلغ مليار ونصف نسمة، بالإضافة إلى كفاءة إنتاج أبنائه وقدرتهم على الإبداع، وليس الابتداع، لاسيما في ميدان الصناعة والخدمات، غيرت وجه العالم من حيث الطلب على الطاقة، كما غيرت البوصلة في اتجاه تصدير الطاقة، حيث أصبحت الصين أكبر الدول استجلاباً للنفط رغم استهلاكها الكبير للفحم الحجري المتوفر لديها، والذي تحاول جاهدة التخلص منه نظراً لتأثيره البيئي، وأخذت تكثف استثماراتها في إفريقيا، وغيرها من الدول التي تسمح للصين في الاستثمار طويل الأمد، ونجحت نجاحاً مناسباً، في مناطق كثيرة، وأصبح الفرد الصيني يستهلك استهلاكاً أكبر، ويصدر تصديراً أكثر، فزاد العدد، وزادت الكمية، وهذا لا شك سوف ينعكس على طلب الطاقة في العالم.
والتحدي البيئي أسدل بظلالها على الإستراتيجية العالمية للطاقة، حيث اتجه العالم للبحث عن مصدر للطاقة يكون مناسباً للبيئة ومحافظاً عليها، وفي ذات الوقت يمده بما يحتاجه من طاقة نظيفة مستدامة، وأصبح في ميدان الطاقة متسابقان المصدر الأحفوري، والآخر المستدام، لكن سرعة ارتفاع الطلب ماضية في اتجاهها المتزايد، ولم يستطع المصدر المستدام زيادة نسبته من إجمالي مصادر الطاقة المستهلكة، رغم الدعم الكبير.
وجد العالم نفسه في مأزق مؤقت بسبب الاستعجال في الاستبدال، مع عدم الأخذ في الحسبان تسارع الطلب، حيث خففت شركات النفط من رصد الأموال للاكتشافات الجديدة من النفط، وأخذ التركيز في الصناعة يميل إلى استبدال النفط بالغاز في السيارات وغيرها، فارتفع الطلب بنسبة أعلى من العرض فزاد سعر الغاز العالمي، ولاشك أن ذلك سيستمر، وربما سيزيد الاكتشاف ويتوفر المعروض بنسبة تتناسب مع الطلب، غير أن الوقت اللازم لذلك، والنجاح في تحقيق اكتشاف حقول جديدة، قد يكون غير معلوم، وأخذت تظهر مشاكل في توفير مواد خام أخرى بسبب التسرع في الاستبدال، مثل عنصر الليثيوم الضروري لصناعة البطاريات، وأخذ الطلب على الرقائق يزيد، ولم يكن بالإمكان توفر كمية كافية، مما جعل شركات السيارات تخفض من إنتاجها للسيارات الكهربائية وغيرها.
أصبح العالم في دوامة في ميدان الطاقة، ووقع في حيرة بين ثلاث، بيئة، واستبدال، وزيادة طلب، فما عساه أن يفعل، وعلينا أن نكون منصفين، غير مجاملين، لنذكر أن المملكة تلعب دوراً، فاعلاً، وبناءًا في ميدان الطاقة، لقدرتها، ومكانتها، واستقرارها، وثقة المستهلكين بها.