م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
الأمن الغذائي والمائي عنصران أساسيان في كل مجتمع والدول تنمو وتتقدم حسب خطط (إستراتيجية) وخاصة في مجال الغذاء الذي يجب أن تنتجه لمواطنيها بنفسها ولا تعتمد على دول أخرى في استيراده حيث إن الظروف تتغير وتتبدل وتحدد تصنيفا للسلع الاستراتيجية المهمة وخاصة السلع الغذائية والتموينية المهمة.
كل دول العالم تجعل من (الأمن الغذائي) قضية إستراتيجية لا تقل أهمية عن الأمن العسكري، بل أهم منه لأنها يمكن أن (تخزن السلاح) ووسائل الدفاع لسنين طويلة ويمكن أن تكتفي باستيرادها لمرة واحدة ولكن الغذاء لا بد أن يكون مستمراً ومزارعه مضمونة وأن للمستورد سيطرة عليها إما سياسياً أو اقتصادياً!
أصبحت قضية (استنزاف المياه الجوفية) قضية الساعة التي أصبحت مثل (قميص عثمان) وصار القمح ضحية هذه الضجة.. وهذا السيل المحموم من التهم للقمح لم يوجه إلى (الأعلاف) التي استنزفت أضعاف ما استنزفه القمح.. لنهدأ عن الصراخ قليلا ونبدأ بالتفكير لنجد حلا ملائما يوفر لنا خبزنا الذي تصنعه أيدينا ولا نستورده ولا نكون مرتهنين للظروف الخارجية التي تهدد هذه (السلعة الإستراتيجية)، كما أن الشعير هو الآخر يعد سلعة إستراتيجية لأنه مرتبط بالأمن الغذائي فهو علف للماشية وللدواجن التي هي مصدر اللحوم.
إن مشكلتنا الأساسية تتمثل في شيئين مهمين هما:
أ- العمل بدون تخطيط وبالتالي النمو بدون تخطيط ونترك كل شيء للظروف وحين تحدث الكارثة نبدأ نفكر في الحلول لها.
ب- القفز على النتائج: فنحن نريد كل شيء آنيا وسريعا ولا ننتظر حتى يتم إجراء بحث أو دراسة لأي موضوع وهناك دليل على ذلك من حياتنا اليومية فنحن لا نطيق الانتظار لدقيقة عند الإشارة الضوئية ونطلق الأبواق المزعجة لكل من أمامنا فور إضاءة اللون ألأخضر، معتقدين بذلك أننا أرسطو أو أفلاطون أو أينشتاين الذي يعرف قيمة الزمن والوقت وضرورة الحفاظ عليه!
فالقمح كسلعة إستراتيجية يجب التفكير فيه، إننا بحاجة إلى بحث جاد عن زراعة القمح وأساليب زراعته وكذلك الشعير, أتمنى أن نرى البحث الذي كلفت به جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حول ذلك قبل سنوات.. كل شعوب الأرض يوجد لديها جامعات ومراكز بحثية توجد حلولا لكل قضاياهم ما عدا نحن!
ننفق مليارات الريالات على الجامعات ومبانيها.. ونبتعث العشرات للتعلم في أرقى الجامعات.. ثم نستقدم من يعلمنا.. وندفع الملايين للخبراء الأجانب الذين يوضحون لنا ماذا نصنع وماذا نستورد؟
القمح يجب أن نفكر في مصيره نحن وأن نجري بحثا جادا مكتملا غير ناقص عن إمكانية إعادة زراعته وأقول (بالخط العريض) لا سبيل إلى وقف استنزاف مياهنا الجوفية إلا بالعودة إلى القمح!
هل تعلمون أنه بالبحث الجاد توصلت بعض الدول إلى (انتخاب) أصناف من القمح والشعير تقاوم ملوحة مياه البحر، بل العجيب أن هناك نباتات من نفس عائلة القمح يمكن أن تنمو بمياه تساوي ضعف ملوحة مياه البحر.
كما توصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى انتخاب صنف من الشعير يقاوم ملوحة تساوي ملوحة مياه البحر مرتين وينتج الهكتار الواحد منه حوالي طن من الشعير هذا على الرغم من أنه ليس لهم حاجة بذلك فالأنهار تجري من فوقهم ومن تحت أرجلهم!
لقد حان الوقت لزراعة القمح والشعير على المياه المالحة وليس بالضرورة أن تكون مياه البحر فالكثير من أصناف القمح المحلية تعيش على مياه مالحة من مياه جوفية متوسطة الملوحة وتنتج إنتاجا وفيرا ولكن في ظل المنافسة مع المستورد فهي غير مجدية للمزارع فيتجه إلى الأعلاف التي ليس لها منافس وتحتاج إلى مياه عذبة.
خذوا مثالا على ذلك (حوض وادي الرمة) الذي يحوي مياها مالحة لا تصلح إلا لزراعة القمح والشعير وتربته من أخصب الأراضي لزراعة القمح فلماذا لا تقوم وزارة الزراعة بدعم الزراعة فيه وتحويله إلى سلة غذاء محلية لبلادنا بدلا من أن نظل معتمدين على الاستيراد والمخاطر.
كما أن الزراعة المطرية للقمح والشعير مناسبة جدا وذات نتائج في بعض المناطق وكثير منها يحتاج 3 مطرات فقط وعلى هذا اقترح إستراتيجية ضخمة للزراعة المطرية للقمح والشعير لأنها:
1. لا نحتاج قطرة واحدة من المياه الجوفية.
2. توفير القمح والشعير بدلا من الاستيراد.
3. حماية الصحاري من التصحر بزراعتها.
4. المواقع التي تزرع تفتح للرعي بعد الحصاد وبهذا نوجد مزارع خصبة تغني عن رعي الغطاء النباتي في الصحراء.
والإستراتيجية المقترحة تتضمن توفير البذور ونصف إيجار المعدات للحرث والحصاد وما سينفق على هذا البرنامج وإن كان كبيرا في السنة الأولى إلا أنه سيقل مع تطور الزراعة المطرية وجني العائد منها وتدويرها للاقتصاد وزيادة الناتج المحلي وتوفير الوظائف والخبرة والبذور والمعدات.