رمضان جريدي العنزي
على مدى سنوات طويلة عملت خلالها في شركات وطنية وأجنبية كبرى، تبوأت حينها وظائف إدارية وقيادية متنوعة عدة، عملت بجد واجتهاد ومثابرة ونشاط وتحدٍ وما زلت، لم تثبط عزيمتي وتكسر من طموحي المعاقات والمصدات والتحديات التي واجهتني في مراحل حياتي العملية، بل زادتني قوة وعزيمة بوجوب الارتقاء، وفي كل منشأة عملت بها حاولت أن أترك لي بصمة وأثرًا، لم تأخذني المسميات الوظيفية عن إنسانيتي، ولم تنحُ بي نحو التكبر والكبرياء والغرور والعجب بالنفس، بل كانت لي قاعدة وأس لمساعدة الناس واللطف بهم والعطف عليهم والتودد لهم، ما أمكن لذلك سبيلاً، يقيني أن الترفع عن الناس عملية مقيتة، وصفة رديئة، أداة قاتلة، وموت أسود، وكلها إذا اجتمعت في شخص تشكل تحطيماً لذاته، وإعاقة له، أن التعامل الحسن مع الموظفين والعملاء والباحثين عن العمل بلا تميز ولا تحزب ولا خصوصية يعد عملاً راقياً وبنداً من بنود الارتقاء والنجاح، أن التعامل مع الناس بكل طبقاتهم وشرائحهم بالتي هي أحسن تنتج للإنسان قيمة مضافة وذكراً حسنًا، إن حسن الإشراف والتنسيق والتشجيع والتحفيز عناصر مهمة لتشكيل بيئة عمل نظيفة، لقد ابتعدتُ في عملي عن الفوضى والتهاون والكسل وإضاعة الوقت والتهرب من إيجاد الحلول، لقد كنت وما زلت مستمعاً جيداً للنقد والتقويم ومستفيداً من التجارب والأخطاء، إن القيادة الناجحة عملية ليست بالسهلة، ولا بد من اكتساب المهارات، وامتلاك القدرات، وقبل ذلك التحلي بالقيم الإنسانية كالأخلاق والسلوك والتعامل الحسن وضبط النفس والتغاضي والصدق والأمانة والالتزام والإبداع والابتكار، كانت علاقتي مع الموظفين مبنية على الاحترام والتفاهم والاندماج مع بعضنا بعضًا في بيئة عمل جيدة من أجل قهر التحديات، وبلوغ المرامات وتحقيق الأهداف، بعيداً عن التعالي والترفع ومحاولة الظهور بمظهر العارف بكل شيء، لم أستخف يوماً بأحد ولم أقلل من شأنه، لم أتنمَّر ولم أكن واشياً ولا صانعاً للمكائد، أقدم المساعدة، وأبتعد عن المواضيع التافهة والشائكة، لم أكن عدوانياً ومشاكساً، أو أفتعل الصراخ والعويل، لي الكثير من قصص المساعدة والعون مع الناس، بعضهم ثابر جدَّ واجتهد حتى تسيَّد مناصب قيادية عليا ووظائف مرموقة، إن القيادة الإدارية ليست منصباً فقط، وكرسيًا فخمًا وطاولة، لكنها قبل ذلك علم وفن ودراية وقدرة، يُحكى أن رجلاً ضاع منه مفتاح في مكان ما وأخذ يبحث عنه ويسأل الناسفسأله أحدهم هل ضاع هنا، فقال لا بل في مكان آخر، فقال له ولِمَ تبحث عنه هنا؟، قال لأن الضوء هنا ساطع والرؤية واضحة، ليس المهم كمية الجهد المبذول في المكان الخطأ، المهم اتجاه الجهد الصحيح في المكان الصحيح وآليته المنظمة، إن البحث في المكان غير الصحيح لا يعطي نتيجة، ولا يمنح فائدة. الخلاصة أن الإدارة ليست مجرد مسمى وصفة، وإنما أيضاً نتيجة وتحقيق رسالة وضبط وربط وحزم وأداء وعطاء واختيار الأكفاء للمحافظ على المنشأة والارتقاء بها والحفاظ عليها من التعثر والسقوط، عندما يتبوأ الإنسان المنصب لا بد من تحقيق النتائج لكي ينجح ويرتقي، وإلا سيسقط سريعاً ولن يرتقي بنفسه ولا بالمنشأة ولن يكون له أثر، إن المناصب لا تدوم فليحسن الإنسان تدبيرها قبل الرحيل الحتمي عنها، قال الشاعر:
إن المناصب لا تدوم لواحد
فإن كنت في شك فأين الأول
فاصنع من الفعل الجميل فضائل
فإذا عزلت فإنها لا تعزل