محمد سليمان العنقري
على هامش منتدى مبادرة السعودية الخضراء المنعقد في الرياض قبل أيام، كان لسمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان تصريحات أوضحت حقيقة أزمة الطاقة العالمية حالياً من واقع مجريات السوق وقال في مقابلة مع قناة «الشرق» إنها ليست أزمة بترول، بل مصادر الطاقة المختلفة غير النفط، فكيف يمكن حل أزمة مصادر أخرى للطاقة ولا يستخدم فيها النفط، مشيراً إلى أن السعودية دائماً ما تبادر لحل أزمات الطاقة إذا كان باستطاعتها، وإلى أنه يجب أن يعي الجميع ما قامت به «أوبك بلس» لأجل تحقيق الاستقرار في سوق النفط، مشيراً إلى أن الأزمة ترجع لأخطاء في عمليات إحلال الطاقة وضعف الاستثمار، وأكَّد أن إمدادات البترول حالياً كافية وأن كل ما يحتاجه السوق متوافر.
وواقعياً لا بد من ذكر أن النفط لا يشكل إنتاج الكهرباء عالمياً المعتمد عليه سوى نحو 5.5 في المائة وبذلك فإن نقص إنتاج الكهرباء مسؤول عنه مصادر الطاقة الأخرى خصوصاً المتجددة وهذا باعتراف خبراء ومختصين غربيين من تلك الدول التي تعاني نقصاً بإنتاج الكهرباء بينما لم نسمع حقيقة عن أي نقص بالنفط الخام من أي دولة في العالم وقد حدث نقص بإمدادات المشتقات البترولية في بريطانيا ولكن بسبب أزمة السائقين بعد خروج بريطانيا من البريكست وليس بسبب نقص سواء بتوافر النفط الخام أو بالمشتقات أما في أمريكا فالأعاصير من لعب دور بتعطل عمل المصافي ببعض الولايات إلا أن النفط الخام متوافر حسب الاحتياج وفي الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإن ثلثي إنتاج الكهرباء لديها يعتمد على الفحم الحجري ولا علاقة للنفط فيه وبسبب تحديد نسب إنتاج الفحم بسنوات سابقة كتعهد صيني لتخفيف الانبعاثات الكربونية ومع ارتفاع الطلب على الكهرباء في هذا العام بنسبة غير متوقعة وصلت إلى 17 في المائة، بينما نما إنتاج الفحم الحجري 6 في المائة مما أدى لنقص في إنتاج الكهرباء في الصين فعملياً لا علاقة لإمدادات النفط بأزمة الطاقة العالمية وكما نوه وزير الطاقة إلى أن زيادة الضخ من أوبك + الشهرية بنحو 400 ألف برميل قد تحقق فائضاً مستقبلاً فإن هذا الاتفاق التاريخي الذي قادته المملكة لم يحقق فقط العودة لاستقرار أسواق النفط، بل شكل حماية حقيقية إستراتيجية على كافة المستويات القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى لأمن الطاقة من النفط ومستقبل الاستثمار فيها ومنع ظهور نقص بالمعروض كبير بالسنوات القادمة نظراً لعودة الحيوية لاستقرار السوق والأسعار مما يشجع على عودة ضخ الاستثمارات في القطاع التي تقدر الحاجة لها بما يفوق 450 مليار دولار عالمياً سنوياً بخلاف ما يوافره القطاع وخدماته المساندة من ملايين فرص العمل عالمياً، إضافة إلى أنه لو استمرت أسعار النفط منخفضة جداً فإن أزمة مالية قد تظهر من خلال التعثر الكبير بسداد تمويل مشاريع النفط في أمريكا تحديداً وغيرها من الدول التي يسيطر على الإنتاج فيها القطاع الخاص أو تكون تكلفة الإنتاج فيها مرتفعة بحيث لا يمكنها سداد التزاماتها مما سزيد من إفلاس الشركات النفطية الصغيرة ويتبعها شركات الخدمات المساندة وتأثير بالغ في القطاع المالي مما كان سيفاقم من الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم بعد تفشي فيروس كورونا.
فالدول المستهلكة للنفط من المفترض أن تواجه الحقيقة في أزمة توليد الكهرباء لديها بأنها كما ذكر وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان تعود لخلل في إحلال الطاقة وضعف الاستثمار، فصحيح أنه لا يمكن الاعتماد على مصدر وحيد للطاقة ولكن التنوع بإنتاجها لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار كافة التحديات والمزايا لكل نوع من مزيج الطاقة بما يمنع وقوع مثل هذه الأزمات فطاقة الرياح والطاقة الشمسية غير مستقرة فهي تخضع لعوامل لا يمكن التحكم بها كما هو الحال بالطاقة التقليدية وبالعودة لتصريح وزير الطاقة ذكر بأن أمن الطاقة مطلب جماعي ولن يكون هناك أمن طاقة إلا بدور محوري للمملكة، والحقيقة أن موثوقية السعودية بإمدادات الطاقة واستثماراتها الضخمة في إنتاج النفط والغاز وحالياً الهيدروجين الأخضر وأيضاً الهيدروجين الأزرق وميزة انخفاض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية جميعها عوامل تؤكد دور المملكة في دعم نمو الاقتصاد العالمي وازدهاره المستدام لأنه من دون طاقة لن يتحقق نمو اقتصادي ولا استقرار عالمي وبالمقابل تدعم المملكة الاهتمام بالمناخ وقدمت مبادرات ضخمة أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قمة الشرق الأوسط الأخضر لدعم حماية المناخ عالمياً مما يؤكد أن جهود المملكة متناغمة مع مصالح العالم في تحقيق أمن الطاقة ومواجهة التغير المناخي بكافة السبل التي توجد التوازن بين كل التوجهات.
أزمة الطاقة ليست إلا المحاسب العظيم للدول التي سارعت لإحلال الطاقة المتجددة والنظيفة بوقت قياسي دون النظر للتحديات المترتبة على ذلك مما أوجد أزمة لديها بإنتاج الكهرباء تزامناً مع عودة واسعة النطاق للنشاط الاقتصادي بعد تعطل بسبب جائحة كورونا فيبدو أن تداعيات هذه الجائحة ستعيد رسم الكثير من خطط الدول الكبرى المستهلكة للطاقة وتنظر لوجهات النظر من خبرائهم الذين حذروا من الابتعاد السريع عن الوقود الأحفوري بينما يكتفي بعض ساستهم بتوجيه الأنظار إلى أن الأزمة هي من نقص بإمدادات النفط ولا يوضحون لهم أنه لا يشكل شيئاً بنسبة إنتاج الكهرباء لا بدولهم ولا على مستوى العالم وكأنهم ينتهجون سياسة الهروب للأمام.