علي الخزيم
من أقوال أبي حامد الغزالي: (أشد الناس حماقة أقواهم اعتقاداً بفضل نفسه، وأثبت الناس عقلاً أشدهم اتهاماً لنفسه)، ولو أجرينا هذا المعنى على المتزوجين لوجدنا بينهم المُعتَدّ بنفسه؛ الواثق - حقيقة أو وهماً - بقدراته وملكاته العقلية، فيُحيله هذا للتعامل مع الآخرين وأولهم شريك الحياة بالرأي الأوحد؛ فيرى أنه الصواب دون أي رأي مُغاير، ومع مرور الوقت تمتلئ كأس الطرف الآخر، ويَنفد الصبر فتظهر عندئذ بوادر التذمّر والقلق، ثم المواجهة الحذرة بالاعتراضات انتصاراً للذات ولتعديل مسار التفاهم الزوجي بتلطيف أسلوب النقاشات والحوار، وتحقيق مُعدل معقول من المشاركة الفكرية و(التفكيرية) بكل ما يتعلق بالشأن العائلي وتنظيم حياة الأسرة؛ وبما يمليه واقع الحال والعرف الاجتماعي، وبإطار من النظم والقوانين الشرعية التي تراعي دائماً مصالح كافة الأطراف، وتحفظ لكلٍ حقَّه وتحدد واجباته ومسئولياته، وهذا يتحقق بمنهج سلس محبب يُقرِّب القلوب ويؤلف بين النفوس بحيث لا تصبر على فراق بعضها أو الاختلاف فيما بينها، وتتدارك أي هفوة أو زلل طارئ، ذلكم بتحكيم العقل وافتراض أننا دائماً بشر مجبولون على الوقوع بشيء من التقصير لأسباب تطرأ على مسار الحياة، فالكل دون الكمال؛ غير أن العاقل من يطلبه ويسعى إليه لتستقيم له سبل الحياة الهانئة، والامتثال للتوجيه القرآني الكريم (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) أي: «التَّفضُّل بالتعامل بالإحسان والعفو؛ فاحرصوا عليه».
ولكي يُخيِّم الوفاق والوئام على الأسرة؛ فيلزمه الاحترام الجالب للمودة والرحمة، كما أثبته الذِّكر الحكيم بالآية 21 سورة الروم، فقد حرص الإسلام على أن تُبنى العلاقات الزوجية على أسس متينة صلبة من الوِد والاحترام، لتبقى متماسكة وبمنأى عن عواصف الخلافات التي تُوغِر القلوب وتُنفِّر الأنفس، وتخلخل الروابط التي بدأت حين الزواج فتنسفها نسفاً ينتهي بالطلاق، ومِن ثَمَّ التّبعات المقلقة للجميع لا سيما إذا وجِد الأطفال، إذ إنّ نسبة كبيرة من حالات الطلاق - بحسب الدراسات - تكون لجهل الزوجين أو أحدهما بكيفية التعامل مع المشكلات الناشئة، وهو ما يدعو لتكثيف أسباب التوعية الأسرية للمتزوجين بطرق أكثر ملاءمة تراعي المستجدات وقفزات التحضُّر والتمدن التي يعيشها مجتمعنا حالياً، وما يصحب ذلكم من معطيات التقدم التقني واتساع مصادر الوعي المعلوماتي التي تختزنها عقول الناشئة والشباب واتساع آفاق مداركهم الحديثة، لتكون عقولهم وأنفسهم مهيأة لإدارة الأسرة وشئون الأجيال اللاحقة بصفاء ونقاء وحب يقود لمزيد من معطيات النهضة والتحضر التي تسير الآن - ولله الحمد - كما تريد وتخطط قيادتنا الرشيدة، فالأسرة نواة المجتمع ولن يصلح إلَّا بصلاحها وتلاحمها وتأسيسها على قواعد التراحم والألفة وكل معاني الوئام، وهذه مقاصد الشرع الحكيم ونحن -بعون الله - مِنْ خير مَن يُطبِّقه.
قبل الإقدام على الخطوبة فلنعلم أن الزواج رباط وميثاق غليظ، وحقيقته حياة تكاملية، وقد يستحيل أن تتّفق مع الآخر بكل شيء، ولكن إن أخْفَقَت كل الوسائل والمحاولات للتوافق؛ فهناك حقيقة قال عنها الشاعر الشَّنْفَرَى في لامِيَّة العرب:
وفي الأرض مَنْأىً للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القِلى مُتعزَّلُ!