منصور ماجد الذيابي
جسّدت «مبادرة السعودية الخضراء» التي أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود اهتمام المملكة العربية السعودية بقضايا الطاقة والبيئة والتغيّر المناخي إقليميًا ودوليًا، حيث تضمّنت المبادرة وضع خارطة طريق سعودية تستهدف الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات الكربونية في المملكة وزراعة 10 مليارات شجرة بحلول العام 2060 كما جاء في كلمة سمو ولي العهد - رعاه الله- التي ألقاها في منتدى مبادرة السعودية الخضراء مما يدل على أن حكومة المملكة تولي اهتماماً كبيراً بالتغيّر المناخي لتحسين جودة الحياة على الأرض من خلال زيادة مستويات الغطاء النباتي وزراعة الغابات لمكافحة التصحّر والجفاف وتقليل انبعاثات الكربون, وأيضاً حماية المناطق البحرية ورفع نسبة المناطق المحميّة لأكثر من 30 % من مساحة المملكة العربية السعودية.
ووفقاً لما ذكره مسؤول سعودي في وزارة البيئة والزراعة والمياه على هامش أعمال منتدى مبادرة السعودية الخضراء, فقد تم تخصيص 52 ملياراً لتغطي مختلف جوانب النظام البيئي في المملكة تماشياً مع الإستراتيجية الوطنية السعودية التي تستهدف المحافظة على إمدادات ومصادر المياه باعتبارها من أهم الموارد والثروات الطبيعية في مملكتنا الخضراء.
وكما ذكرت سابقاً في مقال بعنوان «مياه الأمطار والأمن المائي في بلادنا» فإنه بالإمكان كذلك الاستفادة من مياه الأمطار للمحافظة على استدامة النباتات الصحراوية الجميلة التي تذبل عادة بعد انتهاء موسم الأمطار, فتصبح فيما بعد هشيماً تذروه الرّياح.
ولأجل تحويل الصحراء إلى مروج خضراء, فإنه ينبغي على الجهات ذات العلاقة بالشأن البيئي أن تسارع لتوفير احتياطيات من الثروة المائية، إذ عندما ننظر إلى ندرة هطول الأمطار في بلادنا مقابل ارتفاع معدل الاستهلاك سنجد أن توفير مصادر المياه على المدى البعيد يتطلب وضع إستراتيجية وطنية يقوم عليها مشروع وطني كبير بحيث يكون رافداً للسدود الموجودة حالياً ويسعى في نفس الوقت إلى تحقيق أعلى مستويات الأمن المائي من خلال العمل على إيجاد مخزون مياه احتياطي للأجيال القادمة ومن ثم الوصول إلى معدلات مستقرة للاكتفاء الذاتي مستقبلاً.
ولو بادرت الجهات المعنية للاستفادة من مياه الأمطار أثناء نزولها ثم مرورها عبر الأودية والسهول حتى تستقر على سطح الأرض وقبل أن تبتلعها التربة لأصبح بالإمكان تجنب أعباء التكلفة التشغيلية التي سترتفع تبعاً لارتفاع فواتير الطاقة والأجور والتقنيات المستخدمة في عمليات التحلية والمعالجة وأعمال الحفر التي قد تصل لأكثر من 200 متر في عمق الأرض.
إن مشروعاً كهذا سوف يسهم في تكريس مفهوم الأمن المائي لدى جيل الشباب من ناحية ويحافظ على الثروة المائية للأجيال القادمة من ناحية أخرى. ولأجل تحقيق الأهداف من هذا المشروع الوطني فانه ينبغي علينا الاستمرار في تشجيع ودعم البحث العلمي والاستفادة من نتائج البحوث وما تتضمنه من توصيات ومقترحات علمية في هذا الشأن.
وحينما تتحوّل الصحراء إلى مروج خضراء, فسوف تعود تلقائيا الكائنات الصحراوية التي انقرضت على مرّ العصور نتيجة للتصّحر وقسوة المناخ مثل الضباء والثعالب والأرانب البرّية وكائنات أخرى على وشك الانقراض مثل الضّب والجربوع وغيرهما.
ولم تركّز المبادرة السعودية على موضوع التصّحر وتقليل الانبعاثات الكربونية فقط, بل اشتملت كذلك على الاهتمام بتطوير القرى والضواحي والمراكز الإدارية التابعة للمحافظات، حيث يتوفر هناك بيئة نباتية ملائمة وتضاريس جغرافية جاذبة جداً للسياحة كما في مركز أم الدّوم مثلاً التابع لمحافظة الطائف، حيث تشتهر هذه المنطقة بنخيل الدّوم التي تمتاز بثمار الدوم الغنية بالعناصر المعدنية وتصنّف علمياً بكونها أحد أنواع الأشجار المعمّرة في العالم, غير أن هذه النخيل قد تتعرض مستقبلاً للانقراض نتيجة لشح المياه الجوفية هناك.
وعلاوة على توفر المناخ المعتدل في مثل هذه القرى والأرياف الخضراء نجد أنها تحتضن آثاراً تاريخية لا تزال باقية رغم مرور مئات السنين. ومثال ذلك ما يُعرف محلياً بموقع طميّة الذي يبعد نحو ستة كيلومترات إلى الشمال من مركز أم الدوم القريب من محافظة الطائف. ويُعرف هذا المعلم الأثري التاريخي كذلك باسم «فوهة الوعبة», وهو عبارة عن حفرة عميقة جداً في الأرض بقطر دائري يبلغ نحو 2000 متر ويصل عمقها إلى نحو 220 متراً عن مستوى سطح الأرض المحيطة بها.
وكنت قد تطرّقت للخصائص البيئية لهذه المنطقة في مقال سابق بعنوان «القرى والمراكز التابعة للمحافظات بحاجة إلى التطوير»، حيث أوضحت في المقال أن التنمية عملية مستمرة وحالة تتطور وتتقدم ولا تتوقف عند حد معين. ولذلك فإن القرى الصغيرة والمراكز الإدارية تكون كذلك في حاجة مستمرة لديمومة التنمية ووصول الخدمات الحديثة والمشاريع التنموية لتبقى قائمة على الأرض وتعج بالحركة والنشاط والتغيير وهذا ما تستهدفه مبادرة السعودية الخضراء. فبعض القرى في بلادنا تتميز بموقع وطبيعة جغرافية جاذبة للسياحة وقابلة لتنفيذ مشاريع تنموية ذات كلفة أقل حيث لا توجد حولها سلاسل جبلية كبيرة أو كثبان رملية أو مناطق أخرى ذات طبيعة وعرة قد تعيق عملية شق الطرق وبناء الجسور وإيصال الخدمات اللوجستية لعمليات التشجير.
** **
- القرية