عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - صديقه وجاره
وَما أَحَدٌ كانَ المَنايا وَراءَهُ
وَلَو عاشَ «أَعواماً» طِوالاً بِسالِمِ
لا شك فيمن انتهت أيام إقامته في هذه الدنيا، فإنه سيرحل إلى الدار الآخرة إلى أن ينفد البشرُ:
كيف البقاءُ وباب الموت مُنفتحٌ
وليس يغلق حتى ينفد البشرُ
فالسعيد من يستعد ويتزود بزاد من التقى والأعمال الصالحة ما دام صحيحاً معافى قبل أن يباغته هادم اللذات، ومفرق الجماعات، فيندم ولات ساعة مندم..:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
من الله في دار المقام نصيبُ
فإن تعجب الدنيا رجالاً فإنه
متاعٌ قليل والزوال قريبُ
حيث انتقل الصديق عبدالرحمن بن عبدالله الغديّر «أبو محمد» إلى رحمة الله يوم الثلاثاء 21-2-1443هـ، بعد حياة طويلة حافلة بعبادة الله، وبالسمعة الحسنة، وحب البذل في أوجه البر والإحسان وتلمس حاجات الضعفة والأيتام والأرامل..، وتمت الصلاة عليه عصراً بجامع الجوهرة البابطين شمال الرياض، ثم حمل جثمانه الطاهر إلى محافظة حريملاء، وقد ووري بمقبرة «صفية» ملتقى الراحلين داعين المولى له بالمغفرة، وطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق ليوم الحساب - تغمده المولى بواسع رحمته -.
وكانت ولادته في حريملاء عام 1347هـ، وعاش بين أحضان والديه وبين إخوته وشقيقاته في أجواء حب وتآلف، ثم درس في مدرسة المعلم المقرئ محمد بن عبدالله الحرقان لتعلم الكتابة وقراءة القرآن الكريم، حيث أتم قراءته وهو ابن تسع سنين، كما حفظ عدداً من أجزائه، ثم حصل -لاحقاً - على الشهادة الابتدائية من المدرسة الليلية عام 1388هـ، وكان باراً بوالده، أما والدته فقد توفيت وهو صغير، ثم انتقل الى الرياض عام 1380هـ، وعمل في تجارة الخضار فترةً من الزمن، كما عمل في البلدية مشرفاً زراعياً، وفي عام 1382هـ انتقل للعمل بالرئاسة العامة لتعليم البنات حتى أخلد للراحة متقاعداً عام 1432هـ.
حميدةٌ أيامه ولياليه، فهو محبوب لدى رؤسائه وزملائه، بل ومع جيرانه وأسرته، وكان مُحباً للقراءة وخاصةً السيرة، وما يتعلق بالزراعة، وكان محباً للأطفال فهو سمحٌ طيبٌ، ومعرضاً عن مساوئ الناس - رحمه الله - كما كان حريصاً على قراءة القرآن الكريم مشجعاً على تعليمه وحفظه، وكان - رحمه الله - يقضي شهر رمضان بجوار بيت الله الحرام، حريصاً على تفطير الصوام، وله عناية بالمساجد وخاصة مسجد ابن مقرن «في حي شبرا بالرياض»، وكان قنوعاً متوكلاً على الله في أموره كلها، يقضي معظم وقته في قراءة القرآن والسيرة النبوية، وتربية أبنائه تربية صالحة، وكان ومحبوباً لدى كل من عرفه، وقد طبع على حب البذل في أوجه البر وقضاء حوائج الناس، والعطف على الأرامل والأيتام رجاء الجزاء والمثوبة من رب العباد الذي وعد المحسنين بقوله جلّ جلاله: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}، ومن بالغ حبه ووفائه لزوجته حصة بنت عبدالله الغيهب «أم محمد» رفيقة دربه الطويل التي سبقته إلى مضاجع الراحلين بحوالي خمسة أعوام «تقريباً» أي في مساء يوم الجمعة 2-9-1439هـ - رحمهما الله - وبقي بعدها وحيداً يعاني من وحشة الفراق، والتي خلفت له ستة من الأبناء، وسبعاً من البنات، بارين وصالحين، ثم حضر من الرياض رغم ما يعانيه من متاعب جمة إلى المقبرة بحريملاء بسيارته قبل دفنها، وظل داخل السيارة يتابع نعشها بنظرات ملؤها الأسى والحزن العميق حتى اختفى جثمانها عن ناظريه وبقي وحيداً متحسراً، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور براكين الحزن تتلاطم في شعاب نفسه وبين أضلاعه، كان الله في عونه، وهذا المشهد والموقف يذكرنا بقول أستاذنا الشاعر الكبير الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس -رحمه الله- في مناسبة حزن كهذه:
حناناً لكما فيما طويتم جوانحاً
عليه، وعطفي يا وحيد ورحمتي
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أسرة آل غديّر، وشقيقته سارة «أم صالح الغدير» وأبناء عمه وأسرة آل غيهب، ومحبيه الصبر والسلوان، ولنا معه بعض الذكريات الجميلة التي لا تنسى مدى العمر:
فكيف إذا مررت بدار قومٍ
وجيران لنا كانوا كراماً
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء