لا يمكن تجاهل الخدمات والتضحيات التي قدمها الصحافيون في إنجاح حركات الاستقلال التي شهدتها بلدان العالم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. فلولا إسهاماتهم في تحريك الشعوب وإيقاظها من سباتها، وحثها على النضال من أجل حرية بلادها، لم يتيسر لتلك الحركات أن تتكلّل جهودها بالنجاح. والحقيقة أن الصحافي المخلص لمهنته الوفي لوطنه والصادق في مزاولة وظيفته لا يمكن أن يتفرج على شدائد شعبه وينتظر انكشاف الغمة، بل إنه يصبح جذوة ملتهبة لا يمكن إخمادها، وشعلة متأججة لا يمكن إطفاؤها، فيخوض المعركة شاهراً قلمَه متدرعاً بكلماته، ولا يثنيه شيء عن هدفه ومرامه، ولو أدى ذلك إلى تضحية نفسه لحفظ كرامة وطنه.
تَذَكَّر الصحافيون الهنود في الأيام الأخيرة صحافياً هندياً من هذا النوع، أُعْدِمَ قبل 164 سنة وبالتحديد في 16 سبتمبر سنة 1857م في دلهي القديمة من قِبَلِ الحكومة الاستعمارية المسيطرة على بلاد الهند آنذاك. يُعَدُّ الصحافي والأديب الأردي مَوْلوِيْ محمد باقِرْ أول صحافي هندي توفي في سبيل الدفاع عن الوطن في تاريخ الهند. وكان من ديدن القوى الاستعمارية تكميم الأصوات وتضييق الخناق على كل من يخالفها. وما أشد خوفها من الصحافيين الذين يكشفون عن خططها ومؤامراتها وأغراضها الشنيعة.
وبهذه المناسبة عُقِدَتْ في عاصمة الهند نيودلهي ندوةٌ لإحياء خدمات الصحافيين الهنود الذين لم يترددوا في تضحية أموالهم وأنفسهم لتحرير الوطن، وكان التركيز فيها على مولوي محمد باقر بصفته رمزا للجرأة والبسالة والإخلاص والأمانة في أداء واجبه الصحفي. وأُطْلِقَ فيها كتاب «ثورة 1857 والصحافة الأردية» لمصنفه الصحافي الأردي مَعْصُومْ اَلْمُرادابادِيْ.
انتهى الاستعمار وتحرَّرت الدول من ربقته منذ زمن بعيد، ولكن السؤال الكبير هو: هل انتهت معاناةُ الصحافيين حول العالم؟ هل توقفت مطاردتهم والاعتداءات عليهم؟ والجواب طبعاً: لا. فيفيد تقرير لجنة حماية الصحفيين أن 21 صحافياً قُتِلَ خلال عام 2020م حول العالم، بينما يصل هذا العدد إلى خمسين صحافياً حسب تقارير أخرى. وفي الهند وحدها ذهب نحو 15 صحافياً ضحية للاعتداءات خلال 2020م وفارقوا الحياة. وهذه القضية لا يمكن الاستخفاف بها، لأن هذه الحالة إن لم تتغير، فإن الصحافة الرشيدة الجريئة ستظل معرضة للخطر.
** **
- أكاديمي وكاتب هندي