تصغر كثيراً كلمات الترحيب السعودية أمام عراق الحضارة والأدب والثقافة الذي حلّ ضيفاً علينا في عاصمة الفرح والسلام الرياض من خلال معرضها الدولي للكتاب، لم تكن كافية «يا الله حيَّه» ولاّ «أرحبوا تراحيب المطر» ولاّ «مرحباً ألف» ولاّ «مرحباً هيل عد السيل» أمام هذا الـ»خطَّار» الجليل الذي يجري حبه في أعماقنا كدجلة والفرات وله في قلوبنا «عشك أخضر».
لم تجد السياسة طريقاً إلى قلوبنا عندما شيدت حواجزها بين بلدينا لما يقارب الثلاثة عقود، وظلت قلوبنا نحن السعوديين تنبض بحب العراق الذي لم يغب عن أذهاننا، قرأته وكثيرون من أبناء جيلي في قصيدة «أنشودة المطر» لبدر شاكر السياب في كتاب الأدب بالمدرسة، واحتضنت مدينتي أبها شارعاً باسم عاصمته العظيمة «بغداد» وحياً باسم مدينته «الفيحاء» البصرة، وظلّ اسم أحد شعرائها من أبناء مدينة السماوة خالداً في الذاكرة الأبهاوية وهو الشاعر الكبير يحيى السماوي الذي سكن مدينتنا في زمن مضى، وأصبحنا نستذكر أبياته كلما هطل المطر وارتدت أبها أثواب الفرح ونتغزل بها معه ونقول: (أبصرت فاتنةَ علينا بُردة.. خضراء لكن الخيوط زهور.. فسألتٌ عنها العاشقاتِ فقلنَ لي:... «أبها» وقال العاشقون: «عسير»).
كنا نسمع العراق ونصغي لصوته الحنون في منازلنا وشوارعنا ومقاهينا ومركباتنا التي تنساب منها الأغنيات العراقية الكلاسيكية بصوت ناظم الغزالي وياس خضر وسعدون جابر وكاظم الساهر... والحديثة بصوت رحمة رياض وأصيل هميم وحسام الرسام ورعد وميثاق... نقرؤه في شعر السياب والجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد وأحمد مطر ومظفر النواب... ويصر الشباب السعودي والعراقي على الوصال فيصافحون بعضهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولعبة «ببجي» والبث المباشر في عدد من التطبيقات، ويدونون أجمل التعليقات في يوتيوب على الأغاني السعودية والعراقية والتي تعكس محبة كل واحد منهم إلى الشعب والبلد الآخر.
«إن ما يربط السعودية بالعراق ليس مجرد الجوار والمصالح المشتركة وإنما أواصر الأخوة والدم والتاريخ والمصير الواحد» هكذا يقول الملك سلمان حفظه الله، الذي شهد عهده فتح الأبواب الموصدة ما بيننا وبين العراق، ومما تحقق في هذا العهد الميمون تأسيس المجلس التنسيقي العراقي السعودي، ولعب المنتخب السعودي مع المنتخب العراقي على أرضه في مباراة ودية لرفع الحظر عن الملاعب العراقية، وفتح معبر عرعر الحدودي بعد 30 عاماً من إغلاقه وفتح معبر تجاري آخر، ومشاركة 60 شركة سعودية في معرض بغداد الدولي في دورته الـ44، ومشاركة مثقفين سعوديين وأدباء في معرض بغداد الدولي للكتاب، وإقامة عدة حفلات غنائية وموسيقية عراقية في السعودية، وغير ذلك من المشاريع والأعمال التي تبني ما بيننا جسوراً من الحب والسلام.
ها هو العراق يزورنا مرة أخرى حاملاً في أكفه البيضاء الأدب والطرب والكتب والحب والسلام مصطحباً معه سعدون جابر ليحلق بـ»طيوره الطايرة» في سماء نجد ونصير شمه بعوده الذي ينبثق منه السلام وعارف الساعدي الذي امتزج مطره برمال الرياض ونوري الجبوري بكمانه ذي المعزوفات الساحرة وخيال محمد مهدي الجواهري بروح والده وقيمه ومبادئه، ورشيد الخيون بأفكاره الفريدة والكثير من الأدباء والمثقفين.
لا نريد أن يزورنا العراق كضيف بل نريده أن يصبح من أهل البيت، وأن نعوض قلوبنا التي تألمت لفراقه واشتاقت لقربه منذ ثلاثة عقود، وأن نعانق شعبه عما قريب عناقاً أبدياً دون فراق فهم على قلوبنا مثلما يقول ياس خضر: «عزاز والله عزاز».
** **
@reemeta22