إيمان الدبيّان
تعددت المخلوقات والكائنات واختلفت وتميز فيها الإنسان الذي هو واحد منها فتميز عنها عقلاً وتكليفاً.
الإنسان ضعيف أمام قوة خالقه مهما كان جسديًا وماديًا وسياديًا، والبعض قوي مع وعلى البشر جبروتاً وظلمًا وحقدًا وطغيانًا وكِبرًا، مما يجعل البعض والبعض كثير يصدّر أحكاماً على البشر ويصنفهم بتصنيفات غير موضوعية حسب ما هو يراه صحيحاً فيفعله أو خطأ لأسباب شخصية قد تكون في عدم قدرته على فعلٍ ما يشبهه، فنجد تصنيفات دينية، وطبقية، وسلوكية، ومجتمعية، وكثير غيرها قد نسيت أو تناسيت طرح مسمى لها؛ لأني سأتناول التصنيفات السلوكية التي أرهقت الأفراد والمجتمعات، وأخرت النهوض والتطورات، وفرَّقت وعادت الكثير من العلاقات.
البعض لا هم له سوى تصنيف البشر وتصدير حكم عليهم، فيصنفون الناس متديناً، متحررًا، منغلقًا، ومنفتحًا، وبالتالي يصدرون حكمهم ويحاسبون غيرهم وكأنهم وكلاء الله في أرضه على خلقه، فيحكمون بأن فلاناً متدين بسبب لحيته أو ثوبه، وجهلوا أن الدين المعاملة، ويحكمون على آخر بأنه متحرّر؛ لأنه أدى فروضه الأساسية وعاش حياته كما يشاء بحرية، يحكمون ويحاسبون الناس على تصرفاتهم الخاصة بهم وحدهم دون تأثير على غيرهم، وهؤلاء المصنِّفون والمصدرون لأحكامهم هم من يخطئ بحق أفراد، أو مجتمعات، فيقعون في الغيبة، ولا يتركون النميمة، ويظلمون قولاً وفعلاً، لا تخلو تصرفاتهم وأحاديثهم من الكذب، ولا تبعد أهدافهم عن الشخصنة دون احترام أو أدب، لكل إنسان الحق والحرية فيما يفعل ويريد وليس من حق البشر محاسبته أو تصنيفه طالما أنه لم يخطئ عليهم، ولم يتجاوز نظامًا أو قانونًا، أما ما بينه وبين خالقه فهو لله ربه ورازقه.
هذه التصنيفات تقوم على ضغائن وأحقاد وأهداف لا يعرفها أصحاب الفطرة السليمة لأن فطرتهم لا تحمل كرهاً ولا حسداً، أما أصحاب النوايا المبطنة والقلوب المدكنة فهم ينسجون تهيئاتهم وتصنيفاتهم وأحكامهم كلها في مخيلاتهم، ويبدأون بتصديقها، وتطبيقها واقعاً ظاهراً، وباطنا، فتقطع علاقات، وتؤخر مجتمعات وتكثر الخصومات بسبب تدخلات وتحكمات ليس لها مبررات، فالحياة أرقى من كيد، وأوسع من قيد، وأبقى لحرية تزهو بها البشرية.
يهون علينا أن تُصاب جسومنا
وتسلم أعراض لنا وعقول
- (المتنبي)