عبد الرحمن بن محمد السدحان
* كنتُ قبل ابتعاثي إلى (ديار العم سام).. أمريكا للدراسة الجامعية، كنتُ غامضَ الهدف، ضبابيَّ الرؤية، مضْطربَ الفكر والتفكير! وأحسبُ أن هذا الوصف لم يكن قاصرًا عليّ، بل شاركني فيه كثيرون ممّن كُتبَ لهم ذات المصير!
***
* وحدُه الإيمان بالله، ثم رصيد من الثقة المؤزّرة بالطموُح للنجاح منحاني الحماسَ لاقتحام صعاب الغربة في تلك الديار طمعًا فيما هو أفضل تحصيلاً ونجاحًا.
***
* كان هناك رصيد آخر من الثقة، هو عشْقي للقراءة بدْءًا، ثم الكتابة لاحقًا، وكلاهما كانا يلازمانني ملازمةَ الظلّ! ومن خلال الكتابة، اكتشفتُ بعضًا من معاناة النفس المشحونة بجراح الأيام والليالي. ومن خلال ذلك، تعلّمتُ كيف (اُداوي) عثراتي، فتتحول بعون الله وتوفيقه إلى طموح في النجاح، وشغفٍ في بلوغه.
***
* أدمنتُ القراءةُ والكتابة في ربيع شبابي، فرحتُ أعاقرهما بثبات، وكأنّ لا همَّ لي سواهما! وساورتني الخشية أن يعترض سيدي الوالد طيّب الله ثراه على ذلك التوجّه، لكنه باركه، ثم راودني هاجسٌ آخر أن يعوض ذلك (الحب المبكر) للقلم وتبعاته خطة (الغزو) لفضاءات المستقبل تأهيلاً ثم عملاً! لكن الله لم يُخيّب لي ظنًا ولا أملاً، داخل المملكة وفي جهودي الدراسية اللاحقة في أمريكا.
***
* وبرز أمامي التحدِّي الجديدُ ممثّلاً في الابتعاث إلى أمريكا، وشاء الله أن تكون جامعة جنوب كاليفورنيا هي محطتي القادمة، وتلك كانت مرحلة مفصلية في حياتي. إذ انطلق بي (مكوك) الطموح الجديد والمثير معًا إلى مدينة لوس أنجلوس، عروس الساحل الغربي الأمريكي، معتمدًا بعد الله وحدَه على نفسي وعلى طموحي في بلوغ ما رحلت من بلادي طمعًا فيه، ولم يخيّب الله لي رجاءً! ولعل من أبرز نتائج تلك المرحلة العسيرة نشوء (مصالحة) مع النفس، ومع الماضي وضَرَّائه، ثم التعاهد مع الحاضر والمستقبل.. المبشِّريْن بالتحوّلاَت القادمة في حياتي!
***
* كنتُ في تلك المرحلة الحرجة من عمري حريصًا على اكتسَاب ثقة سيدي الوالد، والمزيد من الحنان والدعاء من لدن سيدتي الوالدة، ولم يخيّب الله لي ظنًا لدى أيّ منهما، وكرم الله رجائي، وفي الوقت نفسه، كنتُ مهتمًا لاكتسَاب الثقة والتأييد لدى المسؤولين في أمريكا.. ذلك البلد العملاق بلغته وعاداته وتقاليده، والذي لم أعرف عنه آنئذٍ سوى (طلاسم) من الرؤى والأحلام!
***
* نعم.. قارئي الكريم، فجّرتْ تلك الفترة الانتقالية في حياتي عقب وصولي إلى التراب الأمريكي (شفافيةً) في شغاف النفس مكّنتني من (الإصغاء) إلى طموحات الغد وتحدياته ومنحتني جُرعةً من الثقة، والأهمّ منها الإيمان بالله والاعتماد عليه سُبحانه في مواجهة صِعاب وتحديات الأيام القادمة في أمريكا. وكان الله بي رؤوفًا رحيمًا!
***
* تذكرتُ وقتئذٍ مرحلة العُسْر الطفولي في حياتي، وكان أسوأ ما فيه حالةً من المرض البدني الذي ابتليتُ به، ولم يُجْدِ له دواءً سوى (الكيّ) وسيلةً للعلاج، وشاء ربي سبحانه أن أتجاوزَ تلك المرحلة العسيرة بنجاح، رغم (أوْسِمة) الكيّ التي (ازْدانت) بها أجزاء من جسَدي!
***
* أجل.. كانت تجربة الابتعاث إلى أمريكا فرصة ثمينةً لي لـ(الهجرة) من شعاب النفس وكهُوفها.. إلى فضاء التربية، وأقامت في نفسي (جسُورًا) من الثقة أعبرها نحو مَنْ حولي.. فازدادَ معرفةً ومحبّةً وفهْمًا، ثم عزمًا شديدًا لبناء ذاتي من جديد، وبدون ذلك، سيبقى المرء منّا (جزيرةً) وحدَه، بلا جسُور.. بلا حدود!!
والحمد لله من قبل ومن بعد!