تتزاحم الكلمات في عقلي ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. ومن فضل الله على كاتب هذه السطور أن يكتب عن هذا الجبل الذي يعتبر من نوادر الزمان في الكرم والشهامة، إنه وجيه الرس في القرن المنصرم، واسطة العقد ونادرة الفلك، كان للرس كالشمس للدينا وكالعافية للبدن، إنه حمد بن منصور المالك.
مولده
ولد في مدينة الرس بالقصيم 1312هـ، وتوفي في مدينة الرياض 1412هـ، بعد أن بلغ من العمر مائة عام.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) رواه الترمذي وصححه. وقد أسند والده إليه في سن مبكرة كثيراً من مسؤولياته ووكل إليه إدارة أعماله التجارية وتمثيله في اجتماعات أهل الرس. سار في خط والده التجاري بيعاً وشراء، وخاض ميدان الزراعة باهتمام وكان له رأي أن الزراعة كلها خير.
الكرم
الكرم لغة: ضد اللؤم.
الكرم اصطلاحاً: قال الجرجاني: (الكرم: هو الإعطاء بسهولة). ولقد عرف بهذا الشيء عدد من الناس في الجاهلية والإسلام، وممن عرف في الجاهلية حاتم الطائي الذي كان يضرب به المثل في الكرم، ثم أتى الإسلام وحث على هذه الخصلة وهي من صفات الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (69) سورة هود. أي: ذهب سريعاً، فأتاهم بالضيافة، وهو عجل: فتى البقر، حنيذ: (وهو) مشوي (شياً ناضجاً) على الرضف، وهي الحجارة المحماة.
قال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ مُمسكاً تلفاً). رواه البخاري (1374) ومسلم (1010).
وكان صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس. عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة) رواه البخاري.
وقد اشتهر بهذا الشيء في الصحابة ومن بعدهم الكثير ومنهم:
أ- سعد بن عبادة بن دليم رضي الله عنه سيد الخزرج كان مشهوراً بالجود هو وأبوه وجده وكان لهم أطم ينادى عليه كل يوم من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دليم بن حارثة، وكان ينطلق بثمانين من أهل الصفة. توفي في الشام سنة خمس عشرة وقيل ست عشرة - رضي الله عنه.
ب- عبدالله بن جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكان يُقال له قطب السخاء، ومن قصصه جلب أحد التجار سكراً إلى المدينة فكسد عليه فبلغ عبدالله فأمر قهرمانه أن يشتريه ويهبه (يعطيه) الناس.
ج- عرابة ابن أوس -رضي الله عنه- يقول الشماخ:
إذا ما راية رُفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين.
ح- قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عنه - يقول ابن سيرين كان قيس ينادى على أطمه: من أحب شحماً ولحماً فليأت ثم أدركت ابنه مثل ذلك.
وليعلم القارئ الكريم أن الكرم ليس مرتبطاً بكثرة المال، فجدي علي بن صالح أبا الخيل (العثيم) -رحمه الله- كان كريماً على قلة ذات يد، وكذلك عمي حمود بن سليمان أبا الخيل (جد معالي الشيخ سليمان)، وكذلك عمي عبدالله بن صالح أبا الخيل (الحداد) رئيس هيئة الروضة - رحمه الله
يقول الشاعر:
الناس للناس ما دام الوفاء بهم
والعسر واليسر أوقات وساعات
وأكرم الناس ما بين الورى رجل
تُقضى على يده للناس حاجات
لا تقطعن يد المعروف عن أحدٍ
ما دمت تقدر والأيام تارات
واذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت
إليك لا لك عند الناس حاجات
والكرم يجمع أكثر خصال الخير والكريم لا يأتي منه إلا خير وقد اشتهر الشيخ حمد المنصور المالك -رحمه الله- بالكرم ومساعدة الآخرين وله مواقف منها:
1- في بداية الخمسينيات من القرن الهجري الماضي غادر فضيلة قاضي المدينة المنورة الشيخ محمد العلي التركي -رحمه الله- المدينة إلى الرياض على رأس وفد حكومي كبير، وعندما اقتربوا من الرس لم تتمكن سياراتهم من اجتياز وادي الرمة لغزارة الأمطار التي امتلأت بها جنباته وبصعوبة بالغة تمكنت إحدى السيارات فقط من اجتياز الوادي ومن ثم الوصول إلى الرس وعند عودة الشيخ حمد من صلاة الفجر إلى منزله لاحظ وجود سيارة واقفة أمام منزله وعند اقترابه من السيارة نزل الشيخ التركي منها وسلم عليه وأعلمه بما جرى لهم فرحب به وبمن معه وعندما استقر بهم المقام في ديوانيته قال له الشيخ التركي: يبدو أن الأمطار سوف تستمر ولن يكون بإمكاننا مواصلة سفرنا إلى الرياض الأمر الذي لا بد معه من أن نبقى بالرس إلى أن تخف حدتها، فهل من مكان يمكن أن نبقى فيه خلال هذه المدة فقال له: يا شيخ هذا الكلام لم أكن أتوقعه منك وثق أنه لا مكان مناسباً ولو وجد فلن أسمح لكم بمغادرة منزلي إلا إذا خفَّ المطر وتأكد لنا أنه بإمكانكم مواصلة السفر، وقد بقوا بضيافته ثلاثة عشر يوماً كانوا خلالها محل حفاوة الشيخ حمد وأمير وجماعة الرس، وأثناء وداع فضيلته قال له مقولة أهل نجد المشهورة «استر على ما واجهت، فرد عليه في الحال قائلاً: إن سترت على ما واجهت فلا ستر الله علي لقد واجهت وقوبلت بالكرم العربي الأصيل من حمد المالك الذي استضافنا كل هذه المدة ومن أمير وأهالي البلد الذين أحاطونا بمشاعرهم الطيبة وكرمهم الذي سيبقى في ذاكرتنا ولن أستر على ذلك، بل سوف أتحدث عنه كلما كانت هناك مناسبة للحديث.
2- في أحد الأيام جاء إلى الشيخ حمد المالك مزارع من كبار مزارعي مدينة عنيزة وأحد وجهائها وقال له: يا أبا إبراهيم أفزع لي وأنقذني من خسارة فادحة قد أتعرض لها ما بين لحظة وأخرى فقد توقفت ماكينة الماء بعد تعرضها لخلل تعذَّر إصلاحه، وزرعي الآن بحاجة ماسة إلى الماء وقد تعذّر علي الحصول على ماكينة موجودة لدى أحد المزارعين بعنيزة، لأنه يخشى أن يحصل لماكينة زرعه مثلما حصل لي، وبما أنه يوجد لديك ماكينة احتياطية، فإنني أرجو أن تتفضّل بها علي بأي ثمن تراه وتريده. وأمام تأثر هذا المزارع قال له: خذ الماكينة وأنقذ بها زرعك ولا أريد لها أي ثمن. وأثناء تحميل الماكينة بسيارة هذا المزارع قال له أحد المقربين من الشيخ حمد: موجهاً حديثه للشيخ حمد -رحمه الله- كيف تفرّط بالماكينة في هذا الوقت الحرج الذي قد نحتاج فيه إليها لو تعطّلت إحدى مكائننا؟ فقال له: لن أخيب أمله في، ولا بد أن أستجيب لطلبه، وسوف يستر الله على زروعنا ومكائننا. ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. وفعلاً استجاب الإله؛ فقد ستر الله على الزروع والمكائن وأتت الزروع بمحصول جيد فاق كل التوقعات، كما وفّق الله المزارع الذي أخذ الماكينة بخير كثير في زرعه، وبعد انتهاء الحصاد أراد هذا المزارع أن يرد الماكينة، فرفض الشيخ حمد ذلك. وفي هذه الأثناء علم الملك سعود -رحمه الله- بهذا الموقف النبيل فأثنى عليه، وفي الوقت نفسه عمّد وزير المالية الشيخ عبدالله السليمان -رحمه الله- مقابل الماكينة التي أعطاها لهذا بصرف ماكينتين للشيخ حمد تعويضاً له عن الماكينة التي أعطاها إلى هذا المزارع وتقديراً له على هذا الموقف النبيل.
3- قصته مع معالي الشيخ صالح بن غصون (1341هـ-1419هـ)، حيث كان الشيخ يتيماً ومكفوف البصر فذهب إلى أكثر من شخص يطلب أجرة الذهاب إلى الرياض من أجل طلب العلم فلم يعطه أحد ثم ذهب إلى الشيخ حمد -وكان يراه في المسجد - فقال اذهب اسأل والدتك ثم أتى وقال قد سمحت لي فتكفّل بسيارة وقال ركبوه قدام هذا ولدنا وأعطاه المصروف الذي يكفيه في الرياض وكلّف من يستقبله في الرياض، فهذا من العمل الصالح الذي ما زال له أثر حتى اليوم، حيث إن الشيخ صالح بن غصون نفع الله به في سدير ثم في الأحساء ثم في مجلس القضاء الأعلى في الرياض، وقد درس على الشيخ عدد من العلماء وطلبة العلم منهم:
أ - والدي الشيخ علي بن صالح أبا الخيل - حفظه الله.
ب - معالي الشيخ عبدالمجيد العبود - حفظه الله
ج - الشيخ الدكتور طارق الخويطر - حفظه الله -
وغيرهم كثير.
أسأل الله أن يجمع الشيخ صالح بن غصون والشيخ حمد المالك في جنات النعيم.
4- توزيع الصدقة على كثير من القرى ومنها النبهانية وصبيح وقصر ابن عقيل، وكان من يتولى حصر الأسماء عبدالرحمن البطي - رحمه الله.
5- سكن الملك عبدالعزيز في بيت عساف الحسين العساف أمير الرس، وسكن الأمير محمد بن عبدالرحمن أخو الملك عبدالعزيز في منزل الشيخ حمد.
6- موقفه من ابن نوشان حينما أنقذه من الحبس وسدد الدين الذي عليه.
7- قصة والد معالي الأستاذ منصور الخريجي نائب رئيس المراسم الملكية سابقاً الذي خرج من الرس ينشد رزقه في بلاد الشام وكان الذي أقرض والده المال الذي اشترى بها ذلولاً هو الشيخ حمد المالك.
قال الشاعر:
تراه -إذا ما جئته- متهللاً.
كأنك تعطيه الذي أنت آمله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والبر ساحله
تعوّد بسط الكف حتى لو أنه
أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه
لجاد بها فليتق الله سائله
الوفاء
ومن هذا دعوة معالي الدكتور إبراهيم العواجي وأخوه علي إلى العشاء بواسطة جدهم إبراهيم الغفيلي إمعاناً منه في تكريم والدهم المقيم خارج الرس وكانوا في سن الأطفال.
ثناء الناس عليه
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض متفقٌ عليه.
1- فقد كان الشيخ محمد بن إبراهيم يثني عليه ثناءً عاطراً ويمدحه، والشيخ معروف عنه أنه ذو فراسة ومعرفة بالرجال وعنده من المناصب ما هو أهل لها فهو رئيس القضاء والإفتاء ودار الأيتام وتعليم البنات والجامعة الإسلامية والمكتبة السعودية ومجلة الدعوة وشيخ المشايخ كما يسميه والدي.
2- ويقول الشيخ عمر بن ربيعان ليا عدت الرجال يعد ابن مالك من أولهم والله ونعم الشارب.
3- ويقول الشيخ حمد الجاسر إنه من أنبه الرجال ومحب لفعل الخير وجبلت نفسه عليه لا تصنّع ولا تكلّف.
4- وقد سألت والدي فضيلة الشيخ علي أبا الخيل فقلت: ما رأيك بالشيخ حمد المالك؟ فقال ونعم هو وابنه معالي الشيخ منصور والوالد لم يلتق الشيخ حمد ولا الشيخ منصور ولكن عرف سيرتهم الطيبة - رحمهم الله وجمعهم في جنات النعيم.
تربية الأبناء: عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال ولكنها لا تلد، أفتأزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية، فقال مثل ذلك فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم. رواه أبو داود (2050)، والنسائي (3227)، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- في «آداب الزفاف» وفي رواية فإني مُكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة. وفي رواية فإني مكاثر بكم الأمم.
فقد كان له -رحمه الله - عند وفاته 17 ابناً و11 بنتاً والأحفاد والأسباط أكثر من 300 وأثناء كتابة هذا المقال توفيت نورة صالح الخريجي أم خالد آخر زوجات الشيخ حمد وقد تأثرت بمقال ابنها الأستاذ خالد وعرفت من المقال قوة التوكل عند هذه المرأة الصالحة ورفضها الذهاب إلى المستشفى ورأيت كيف ضعف التوكل على الله لدى البعض خصوصاً في أزمة كورونا فمن الناس من أصابه الوسواس. رحم الله أم خالد وخالص العزاء لأسرة المالك والخريجي، وأسأل الله أن يجمعها بزوجها في جنات النعيم.
ومن الطرق التربوية التي كان يستخدمها الشيخ حمد -رحمه الله- أن عدداً من ذريته يقرأ القرآن أمامه ويصحح لهم، وكان مهتماً بتربيتهم وكان لا يسمح لأي أحد منهم أن يتخلّف عن صلاة الجماعة في المسجد، وقد صار منهم القاضي والمربي والضابط والمهندس والصحفي ورجل الأعمال.
بناء المساجد: قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} سورة التوبة (18) وهذا من أهم أدلة فضل بناء المساجد وكل «عسى» في القرآن فهي واجبة. وقال محمد بن إسحاق بن يسار -رحمه الله- وعسى من الله حق وقال تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} سورة النور(36) وفي معنى { أَن تُرْفَعَ } أي تُبنى قاله مجاهد وقتادة. وعن عثمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى مسجداً لله بنى الله له في الجنة مثله». رواه البخاري ومسلم. وقال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمل المسجد فأحسنوا به الظن وفي أمره صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد سر عظيم، وهو أنها حيث وجدت تأثر سكان الحي بها، فالمساجد هي المكان الذي انطلق منه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لنشر الدين.
وعمارة المساجد حسية ومعنوية، فالحسية هي البناء المعروف سواء بالطين أو الأسمنت أو غيرهما من المواد، أما المعنوية فهي بالتوحيد والصلاة وقراءة القرآن، وأحسب أنه -رحمه الله- قد جمع بينهما فقد بنى -رحمه الله- عدداً من المساجد منها:
1 - مسجد في أرض المالك جنوب نادي الحزم بالرس واشترى فلة للإمام والمؤذن.
2 - مسجد في حي الصحة بالرس بناه ثم أعاد بناءه وبنى بيتين للإمام والمؤذن ملتصقين بالمسجد وبنى وقفاً للمسجد.
3 - مسجد على شارع خالد بن الوليد بالرس.
4 - مسجد في عقلة الصقور وشارك في بناء كثير من بناء المساجد، فهو قريب من كل خير ومشارك فيه وكذلك كان كثير العبادة وتلاوة القرآن خصوصاً في آخر عمره.
مكانة الشيخ عند الناس: كان له مكانة عند ولاة الأمر وعند كل الناس لما عُرف عنه من كرم وحسن خلق، فالناس تحب الكريم وتفخر بمعرفته ومما يدل على مكانة الشيخ عند الناس:
1 - موقفه من صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز آل سعود حينما كان وزير الشؤون البلدية والقروية، حيث كان يرجعه فيما يخص القصيم والرس بشكل خاص.
2 - مكانة الشيخ عند صاحب السمو الملكي الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز آل سعود، حيث يقول عنه: رجل شهم فقدته القصيم والرس بشكل خاص، فقد عرفته عوناً ومسانداً لإخوانه المواطنين وبالإصلاح بين الناس: قال تعالى {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة النساء (114) وجدت من أحسن من تكلم عن هذه الآية الإمام أبوعبدالله القرطبي حيث قال قوله تعالى {أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} عام في الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين، وفي كل كلام يُراد به وجه الله تعالى. وفي الخبر: (كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله تعالى).
فأما من طلب الرياء والترؤس فلا ينال الثواب. وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: رد الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن. وسيأتي في «المجادلة» ما يحرم من المناجاة وما يجوز إن شاء الله تعالى. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب: ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله، تصلح بين أناس إذا تفاسدوا، وتقرّب بينهم إذا تباعدوا. وقال الأوزاعي: ما خطوة أحب إلى الله عزَّ وجلَّ من خطوة في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار. وقال محمد بن المنكدر: تنازع رجلان في ناحية المسجد فملت إليهما، فلم أزل بهما حتى اصطلحا؛ فقال أبو هريرة وهو يراني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أصلح بين اثنين استوجب ثوب شهيد. وكان للشيخ حمد -رحمه الله- مواقف في الإصلاح بين الناس ومنها:
- يقول الأستاذ علي الضلعان أذكر أن بنتاً لي تعرضت لحادث، وقد ضاقت السبل أمام من تسبب في وفاتها، فتوجه للشيخ حمد يستنجد به، فذهب حمد إلى والدي صالح الضلعان فرحب به ثم أعلن والدي بأنه تنازل عمّا حدث.
افتتاح المدرسة
ويرجع بعض الفضل إلى الشيخ حمد المالك بافتتاح أول مدرسة بالرس عندما سافر إلى مكة المكرمة منذ أكثر من سبعين عاماً واتصل بالمسؤولين آنذاك رحمهم الله جميعاً.
وكانت هديته إلى جماعته عندما رجع من سفره أن زفَّ إليهم بشرى افتتاح مدرسة ابتدائية حكومية أصبحت حقيقة ماثلة للعيان في سنة 1363هـ، نهل من معينها آلاف الطلاب الذين ما زال بعضهم يتقلَّد أرفع المناصب في القطاعين الحكومي والخاص. وقد قال المدير الأول لهذه المدرسة الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن العرفج قصيدة يشيد فيها بالشيخ حمد المالك منها:
فشكراً سيدي شكراً
أبا إبراهيم لانكرا
بك الأخبار قد طارت
وقد نلنا بك الفخرا
لقد لمس الجميع ما للشيخ حمد المالك من أياد بيضاء، فأبى شعر النساء إلا أن ينافس شعر الرجال في ذكر محاسنه. وها هي ذي إحدى شاعرات الرس تقول:
رحنا انسير على ماضيين الأفعال
عمي حمد عل ماجته المنية
الخبير الزراعي
يتميز الشيخ حمد بعدد من الأشياء ومنها معرفة الأشياء الدقيقة في المزارع فحينما وجّه له سؤال عن الأمراض التي تتعرَّض لها المزارع قبل أن تتطور الزراعة أجاب: يتعرّض الزرع إلى أمرين الأول: -وهو الغالب -: الصفار وهو سقوط الأمطار قرب الحصاد.
والثاني: حينما يتعرَّض الزرع إلى برد وهو زخات من الثلج أثناء الاستواء.
الثقافة
قارئ جيد، وكان مولعاً بقراءة التاريخ والقصص الإسلامية، إلى جانب قراءة القرآن وكتب السيرة والتراث، ويحب الاستماع إلى المذياع والتلفاز مما زاد في ثقافته التاريخية والدينية.
الوصية
أوصى الشيخ حمد أبناءه وأفراد عائلته ومنها:
* تقوى الله عزَّ وجلَّ في السر والعلن.
* المحافظة على الصلاة.
* احترام العلماء.
* كونوا متعاونين متحابين يعطف الكبير على الصغير ويقف الغني مع من هو أقل منه.
* كونوا يداً واحدة فالاتحاد قوة.
* صلة الرحم.
* الإحسان للجيران.
* إكرام الضيف.
وفاته
في السنوات الأخيرة من حياته، وبعد أن تقدَّم به العمر، آثر الخلود إلى الراحة مقتصراً في نشاطه على تلاوة القرآن وأعمال البر والخير، ومطالبة المسؤولين بما تحتاج إليه مدينة الرس من مشاريع تعليمية وصحية وزراعية وغيرها، وتوفي في مدينة الرياض 1412ـ.
الرثاء
يقول ابنه الأستاذ صالح:
غاب من كان للسماحة فينا
دائماً شيخها الوفي الأمينا
غاب من كان للمروءات رمزاً
يفعل الخير لا نراه ضنينا
غاب من كان للمكارم خدناً
مولعاً بالعلا محباً مكينا
غاب من كان في الدياجير بدراً
يستضيء بنوره المدلجونا
ويقول كذلك:
يا قصر وين اللي زهت به مبانيك
وين الذي يفرح بشوفة ضيوفه
ويا جار وين اللي يعينك ويغليك
شيخ الرجال اللي بفقده حسوفه
بالجاه ما يبخل وبالمال يفديك
لاجلك ومن شانك يحمل الكلوفه
جائزة الشيخ حمد المالك
هي التي قام عليها أبناء الشيخ الذين خلّدوا ذكر والدهم، وهي على أكثر من فرع منها:
التميز المدرسي، الخدمات التعليمية، المعلم المتميز، الموظف الإداري المتميز، الطالب المتميز، المبادرات والتجارب المتميزة. كذلك تبرع أبناء الشيخ حمد لتعليم الرس في أزمة كورونا بـ200 حاسب آلي، نسأل الله لهم التوفيق في الدنيا والآخرة، وللشيخ حمد المغفرة والرحمة.
وقد سُمي شارع باسمه في الرس، وقد صدر عنه كتاب من إعداد ابنه البار الأستاذ خالد بعنوان حمد المنصور المالك سجل حافل بالعطاء، وقد اقتنيت نسختين منه واحدة للوالد والأخرى لي، وقد سرَّ الوالد به، وهو ممتع جداً.
ما زال حياً
قال الشاعر:
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات
** **
- عبدالرحمن بن علي أبا الخيل