رواية إنسانية ترصد الواقع الاجتماعي والثقافي والتاريخي من خلال شخصيات حي الحميدية في تجربة إحياء دراما الحارة، تبحر الكاتبة السعودية ريم الجمعة، عبر المكان والزمان لتقدم لنا روايتها الأولى «حي الحميدية» والتي صدرت حديثاً عن «منشورات ذات السلاسل» بالكويت 2021.
سمات الرواية
أولاً: الزمن من نهاية التسعينات حتى 2003 فترة التغيرات الكبرى في المنطقة.
ثانياً: المكان (حي الحميدية) بمدينة دير الزور السورية، يعج بالحياة، أنشئ في عهد السلطان عبدالحميد الثاني.
ثالثاً: الوصف:
جاء وصفها الدقيق للحي في عدة مستويات:
أ: وصف مساجده وحاراته مثل حارة فلسطين وسكانها من المجاهدين الذين وزعت عليهم الأرض لمشاركتهم في حملة الجهاد 1948.
ب: وصف البيوت وأصحابها وأصولهم حيث أغلبهم من القرى المجاورة أو من حي دير العتيق.
ج: وصف لفصول السنة وطبيعة الجو في هذا المكان وتغيراته مثل العجاج والعواصف الرملية ودرجة الحرارة التي تفوق الـ40 صيفاً، أما في الشتاء فتركيب الصوبات وفي ص384 وصف الخريف.
رابعاً: المعالجة الدرامية:
ترصد الروائية بمشاعر الحنين مع صوت بائعة اللبن الريفية التي يصحوا أهل الحي على صوتها، وتأخذنا لتفاصيل كل البيوت، بيت ماهر الزوج الجديد، مدرس الابتدائي، وبيت أبي وضاح الذي ماتت زوجته متأثرة بعملية قيصرية، وبقالة وبيت أبي توفيق البخيل وابنته الوحيدة فاطمة، وبيت أبي أمجد الريفي المزواج وأولاده أمجد والعنود وعفاف ومحمد، وبيت أبوسمير وعائلته سميرة وسعاد ست البيت الشاطرة، تعجب بها أم كمال لكن لا تفضلها لابنها لأنها غير متعلمة، وبيت أم أحمد الخياطة التي تعيش مع ابنتيها فاتن ومقابلهم محل وسيم (اللعوب).
خامساً: (شخصيات درامية):
أغلب الشخصيات مرشحة لتكون رمزاً لقضايا أو بلدان وكلها أنماط مشبعة بالمأساة منها:
(أم سمير) مروجة الشائعات وأخبار الشر والفضائح، تسرق إسورة ابنتها سميرة عند ولادتها وتتسبب في أزمه كبيرة، تأخذ ابنتها.
(نجاح) الخائنة صائدة الرجال التي يعرف عنها مساعد زوجها (سطيف) كل شيء ويساومها في النهاية ص220 مواجهة مميزة بينهما، تفوقت الكاتبة في كتابتها.
(أم توفيق) نقلت الريف إلى الحي وصدمت برغبة زوجها في الزواج من أخرى واعترافه باسم التي يريدها (فاتن) ص301 فتذهب للمشعوذ لينقذها.
(حنان) الفقيرة الطموح تتواعد مع سمير فتفقد بريقها معه في ص144 في مشهد مميز أشركت فيه الكاتبة الطبيعة والأجواء روعة الحدث.
سادساً: النهاية الحاسمة:
حسمت الكاتبة النهايات بدقة، مثلاً استشهد أمجد وماتت أمه مقهورة وتدهورت الحالة الصحية لأبي أمجد.
ص342 المشعوذ شارب الخمر يمرض ثم يموت ويتفهم حسن الشاب الطيب حقيقة نجاح التي تتحجب!
ص412 تأثر دول الجوار بما حدث في العراق.
ص418 استقبل حي الحميدية النازحين من العراق والكويت، شهد بيت أم كمال حركة عامرة برجوع ابنتها وأسرتها.
هكذا ظهرت الحكاية والصراع والنهاية بشكلها الكلاسيكي وشكل العلاقات عكست طبيعة المجتمع وتعقيداته على خطى الروايات الكلاسيكية المؤثرة.
سابعاً: تجليات الواقع التاريخي والاجتماعي والثقافي:
هناك عرض ثري لمشكلات المرأة مثلاً العنوسة، تعدد الزوجات والخيانة الزوجية والترمل والطلاق وقهر المرأة مثلاً ص347 والد لمياء يرفض أن ترتدي البنطلون «يا قليلة الحياء تريدين أن تصبحي كهؤلاء الفتيات المتسيبات وترتدين بنطالاً».
يحاول الجميع العيش بالحياة البسيطة، كل منهم يدافع عن وجوده وأحلامه، مقاوماً التغيرات الحضارية في مجتمع المعلومات الجديد بظهور (أطباق البث والانترنت) لذا تسعى الكاتبة لتوثيق الأحداث بالتزامن مع رصد العادات الشعبية كالتالي:
أ. التوثيق للأحداث المؤثرة.
ذكرت جملة مفتاحية مهمة دالة على سرد الأحداث التاريخية المؤثرة من خلال حوارات أهل الحي:ص390 «الدم العربي الذي يسري في عروق رجال حي الحميدية ويغلي حمية وغضباً على الظلم جعل منهم مجاهدين بالكلام».
يتجمعون في البيت الوحيد الذي به (طبق/دش) والذي تحول لمقهى سياسي مناقشات جادة ومفصلة بين أفراد الحي عن الأحداث في فلسطين وتبعات 11 سبتمبر وأزمة العراق.
ب: رصد العادات وتفاصيل الموروث المختلفة
-شخصية السحار استدعت كثيراً من الموروث عن أعمال الشعوذة مثل فتح المندل ص160
-وصف موتيفات تراثية مثل ص364 وصف المزملة لتبريد المياه والتي تتميز بها دير الزور «حوض فخاري على شكل أسطواني مجوف مدبب من الأسفل ..إلخ».
- نموذج أم أحمد التي اشتغلت (خياطة) كوسيلة للرزق التي تلجأ لها الأرملة في الروايات الكلاسيكية.
وفي ص395 طقوس استقبال شهر رمضان.
والأكلات الشعبية مثل 246ص (الكبة المشوية على الفحم).
وذكر الطب الشعبي والعادات الشعبية للزواج مثل النقوط والفخر بالمنديل الأحمر وزواج البدل ص41 حيث يطلب إبراهيم أخو وطفا الزواج من لمياء ابنة زوج أخته.
-اللجوء للقسم على المصحف في حادث السرقة حين لا يعرف السارق.
وإجمالاً من أبرز التقنيات الفنية لحي الحميدية:
1- اعتمدت على البناء الكلاسيكي للرواية واستعملت تقنياته بشكل مناسب للموضوع.
2- رصدت تفاصيل الحي واستقصاء للموتيفات الشعبية والموروث.
3- أفردت مساحة كبيرة للحوار لسرد وتوثيق الحوادث التاريخية.
4- الشخصيات مرسومة بعناية مرشحة لتكون رموزاً.
5- استعملت التعبيرات البلاغية التي تعلق في الذهن، مثلاً وصف نجاح (بحر العسل) إشارة لفتنتها.
وص353 من الوصف الجميل «مروحة كهربائية رمادية الشفرات مستديرة الشكل وقد أخذت تئن وهي تدور».
وص376 تسمية المشعوذ «أبو كف أخضر»، ص362 «ماء الفرقة» للتفريق بين الأحبة به، كما أن هناك حكايات ومشاهد بديعة تعلق في الذهن مثلاً عن رقة أم كمال وص140 حكاية الجحش، وص254 ركوب كمال الدراجة حزناً على خطبة لمياء لإبراهيم، حتى أن الكاتبة ختمت الرواية بقصيدة شعر ترثي فيها بغداد.
وفي النهاية أشير للرسومات الداخلية التي أضافت بعداً مميزاً للتخيل أحالتنا للأعمال الكلاسيكية المحببة في طريقة وضعها مجاورة للنص خاصة شخصيات نجاح وأم توفيق.
** **
- صالح الغازي
@salehelghazy