مسعدة اليامي - «الجزيرة الثقافية»:
القاص المبدع من منطقة الأحساء واحة النخيل كتبته هذه المدينة العريقة بتاريخها كما يكتبه النص الإبداعي الذي يختلف باختلاف اللحظة التي تستدعي روح الإبداع وكيف أن هناك نصوصاً تسكن المبدع سنوات حتى يُسقط حروفها على الطرس حكاية مغايرة عن الواقع الذي يكون هو صلب الحدث بذلك البهاء يتحدث لقراء الجزيرة الثقافية القاص المبدع عبد الجليل الحافظ.
الكتابة الإبداعية سواء كانت سرداً أو شعراً هي خارج نطاق الشعور. فحينما يكتب المبدع الحقيقي هو لا يشعر بذاته. لهذا فإن المبدع حقيقة حينما يعود إلى نص قديم له يتساءل كيف كتب هذا النص؟ ولهذا فإن إعادة اللحظة التي كتبنا فيها نصاً ما هي عودة مستحيلة كان لها ظروفها النفسية الخاصة بها والتي لن تتكرر مرة أخرى. ولو افترضنا تكرارها فإننا سنعيد أنفسنا حين الكتابة ولن نتقدم لكتابة نص مميز آخر.
> كم من الوقت تستغرق منك القصة فكرة وكتابة وهل القصص تطرح وتعالج قضايا ومشاكل؟
- إن النص هو الذي يكتبنا ويختلف النص وطبيعة اللحظة التي استدعت روح الإبداع لدينا وهناك نصوص سكنتنا سنوات طويلة وهي تعتمل في دواخلنا حتى كتبناها. وهنا أتحدث عن نصين من نصوصي فنص قرية الذئاب من مجموعتي عتمة هو مستمد من حكاية حدثت لإحدى شخصيات قريتي القابعة في الأحساء طبعاً الحكاية الأصل مختلفة كلياً عن نص قرية الذئاب وقد سمعتها لأول مرة وأنا طفل صغير وسمعتها مرات عديدة ذلك أن تلك الشخصية (أبو صالح) كان لها حضور في القرية حتى بعد موتها لسنوات طوال. ولكني لم أكتب النص إلا بعد مرور أكثر من عشرين سنة من سماعي للحكاية الأصل. ونصوص أخرى استودعتها لحظة سريعة من فكرة بعثها لي أحد طلابي في المدرسة مثل نص رقصة زار فقد كنت في حصة انتظار وكنت أستمع للطلاب وكان أحدهم يتحدث وينقل عن جده أن من يحضر طقس زار حقيقي في الصحراء لا يعود حيا فكتبت النص في ذات اليوم.
> كيف ترى توظيف الموروث في القصة السعودية, و هل أنت من أنصار (صعب ومعقد) أم من يساعد على دفع و تنمية المواهب حتى يتملكون سنام مواهبهم دون عقدٍ؟
- النصوص التراثية السعودية تختلف طبيعتها من كاتب لآخر ليس فقط باختلاف وتنوع فيفاء التراث في المملكة، بل ومن خلال روح الإبداع لدى الكاتب في حين أن هناك من يميل إلى كتابة التراث المتمثل في القرية السعودية أو الصحراء أو العودة إلى لحظة في الزمن الماضي هناك من يستلهم التراث بطريقة أخرى، فالتراث لا يقف على الثقافة المادية، بل هناك الثقافة اللا مادية التي نجدها في حكايا الجدات والحكايا ذات البعد الأسطوري أو الخرافي وهنا أحيل إلى النصين الذين ذكرتهما سابقاً. هذا التراث اللا مادي لا نحتاج إلى العودة إلى الأزمنة القديمة دائماً لإحضاره في النصوص الإبداعية فيكفي استلهام الفكرة وبثها داخل النص بعد تطويرها وإعادة بنائها.
ولست مع التساهل في الكتابة الإبداعية ولكن لن أعقد كاتبا جديدا وأطلب منه ما لم أطلبه من نفسي لكن علينا أن نعي أن الإبداع هو تجديد وانطلاق نحو ما وراء الأفق لهذا حينما يتناول كاتب سواء كان ذا خبرة أو شاب صغير أن يتناول الفكرة من خلال توظيف جديد فلا يعيد تكرار الفكرة بنفس الأسلوب وطريقة الطرح التي تمت في نصوص أخرى فتكون فكرة مستهلكة فعليه أن يتناول ذات الفكرة من خلال معالجتها بزوايا مختلفة عن السابق كذلك أن يقدمها في قوالب وتقنيات سردية جديدة. ومن حق الشاب المبدع أن يكتب ما يجول في خاطره لكني أطلب منه التمهل في النشر وخصوصاً النشر من خلال كتاب الذي سيضع فيه كل ما كتبه
> كيف يغذّي الكاتب القصصي نفسه حتى يتمكَّن من تنمية كتابته؟
- إن كاتب القصة يختلف بطبيعته عن أي مبدع آخر، فلا يطلب من الشاعر أن يقرأ ليطور نفسه سوى الشعر والتجارب الشعرية الرائدة والمتميزة، أما كاتب القصة فإنه يطلب منه ما هو أكثر من ذلك بكثير، فكاتب القصة ليس عليه فقط أن يقرأ التجارب السردية المتميزة ليطور من قدرته التقنية في أساليب الكتابة، لكن أيضًا هو مطالب بأن يستحضر جميع تجارب الحياة وأن يدرسها ويقرأ عنها، فالقاص مطالب أن يكون طبيبًا حينما يدور في نصه ما له علاقة بالطب، وأن يكون مؤرّخًا حينما يكتب نصًا له علاقة بالتاريخ، وعالمًا بالدين حينما يتناول جوانب دينية في نص، فالقاص الحقيقي ينبغي أن يكون ملمًا بكل شيء في مجتمعه، بل والمجتمعات الأخرى لو كتب عن عنها، وهذا غير مطلوب من المبدعين في الفنون الأخرى.
> قرأت لك مجموعتين قصصيتين, صدور المجموعة القصصية هل هو إثبات وجود أم محطة لا بد من الوصول إليها؟
- إن صدور المجموعة القصصية هو إعلان الولادة للكاتب، فالكتاب وإن كان ينشر نصوصه مفرّقة في الصحافة الورقية أو الإلكترونية أو المدونات فإنه لم يعلن عن ولادته، بل تلك هي تجربة مخاض أما صدور المجموعة ا لقصصية فهو إعلان الولادة له.
> 2017م كان ملتقى القصة الأولى كيف رأيت ذلك اللقاء وهل أنت في شوق لمثل تلك الظاهرة في الأندية؟
- الملتقيات الأدبية والمهرجانات هي مكان الالتقاء والتقاء المبدعين في نقطة في المكان والزمان أهم ما يقدمه المهرجان والملتقى للمبدع فالنصوص القصصية والدراسات النقدية نقرؤها من خلال قنوات عديدة لكن حين الالتقاء نقدم للمبدعين خدمة أكبر فيستطيع المبدع هنا أن يتناول مع المبدع والنقاد وأن يتعاطى إبداعية ونقدياً ليؤثّر ويتأخر بطريقة أفضل بعكس حينما يقرأ في الجريدة أو الكتاب أو المجموعة القصصية التي تعتبر تغذية من اتجاه واحد. لذا هنا ولأنك خصصت ملتقى القصة القصيرة الأول الذي أقامه نادي الباحة أتوجه بالشكر للقائمين عليه وعلى رأسهم الشاعر الكبير حسن الزهراني الذي أتأخر لكتاب القصة هذه اللحظة الزمكانية.
> القراءة النقدية تمنح قيمة للكتابة الإبداعية وكيف رأيت قراءة مجموعتك؟
- القراءة النقدية هي نص موازٍ للكتابة الإبداعية يسلط من خلالها الضوء على النص الإبداعي هذا التسليط يخدم المبدع من زوايا عديدة أهمها أنه يعيد إلى الذاكرة اسم المبدع عند القارئ كنا يكشف للقارئ يعض مواطن الجمال التي قد تكون خفيت عنه هنا أو هناك.
كما أنها للمبدع تعطيه دافعية أخرى للكتابة وتجعله على مسؤولية أكبر لتطوير ذاته وكتاباته.
> كيف رأيت تقديم الأمسيات الثقافية عبر الزوم، وهل ترى أنها ساعدت أكثر على الانتشار والتعريف بدور ورسالة المثقف والمؤسسة الثقافية؟
- التقنيات الحديثة قدمت الكثير للحياة الإنسانية وليس فقط لكتاب السرد وهي جعلت نقطة الالتقاء بالآخر المبدع أسهل من قبل فأنا لا أحتاج للسفر لكي ألتقي من خلالها فأصبح المكان يطوى من خلال جهاز صغير يوضع في الجيب. مع ذلك ومع أنها جعلت المكان لحظة من العدم بالالتقاء الافتراضي وجعلت تبادل التجربة متاحاً كما في الملتقيات والمهرجانات إلا أنها لم تحمل المشاعر الإنسانية ولم تجعلنا نشعر بحميمية اللقاء الحقيقي.
> ماذا أنتجت من أعمال أثناء العزلة وما رأيك في كلمة أدب العزلة؟
- من وجهة نظري إن تجربة العزلة والوباء لم تنتهِ بعد حتى يرفع الله هذا الابتلاء عنا. وكما قلت سابقاً عن فترة كتابة النص التي قد تطول وقد تقصر بحسب النص وبواعثه سيختلف المبدعون في وقت استحضار هذه التجربة؛ فهناك من كتب نصوصه عنها ونشرها وهناك من سينتظر لفترة زمنية تطول وتقصر.
> لماذا دائماً نفكر في الموت وسحب البساط, متى نفكر فيما قدمتم للمبدع حتى يستمر وللقصة حتى تتقدم؟
- الموت هو أهم اللحظات الزمنية التي يعيشها الإنسان وهي أهم فكرة تشغل حيزاً من حياة الإنسان هناك حضارات قامت على فكرة الموت والبعث كالحضارة المصرية القديمة. وأهم النصوص الإنسانية القديمة قامت على هذه الفكرة كملحمة جلجامش كذلك أغلب الأساطير الإنسانية قامت على هذه اللحظة واستحضار الشعور بها. لحظة أن يكون الإنسان عندما من هذا الوجود ليذهب إلى وجود آخر اختلفت البشرية منذ آدم عليه السلام حول هذا الوجود الآخر وعن طبيعته وكينونته هناك من الآداب من جعلته لحظة رعب وهناك من اعتبرته لحظة الخلود والطموح والالتقاء بالملكوت الأعلى وهناك من رأت شيئاً آخر. ونبقى فكرة الموت فكرة مفصلية في آداب الإنسانية لحظة وجود وهوية للأدب وفلسفة خاصة تصبغ الحضارة الإنسانية وكذلك الفردية