أنت تستعد لقراءة قصص جديدة للكاتب ن.م.ع، هي ليست قصصاً جديدة، بل قصص أعيدت كتابتها، ربما قرأتها من قبل في مجموعة «الزمن والشمس اللذيذة» وربما نسيتها، نفدت تلك القصص في زمنها، لم يبق منها إلا نسخة أو نسختان عند الكاتب، وبقيت النسخ في المكتبات مجلدة، أو محفوظة، أو عند بعض من قرأها، بعضها إهداءات من الكاتب لأصدقائه وبعض الصحف والمجلات ذلك الزمان، ربما نفذت من البعض، أو فقدت ممن أهديت إليهم أو في مكتباتهم من بين كتبهم، أنت لا تقرأ قصصاً جديدة وليست جديدة، فالكاتب ن.م.ع يعيد كتابة قصصه كل مرة، يكتب ويمسح، يكتب ويعيد كتابتها من جديد حسب وقته ومزاجه وقناعاته، يعيد كتابتها لكي يحكي قصته أو قصصه المتخيلة أو الحقيقية كما يعتقد وبأساليب مختلفة.
ليس مهما أن تراجع تلك القصص التي كتبها الكاتب ن.م.ع في كتابه القصصي الأول «الزمن والشمس اللذيذة»، لكن هذه المرة ستقرؤها تحت عنوان «وقت للحب وقت للحرب» هي نفس القصص، نفس الأفكار، نفس الخيالات، لكنها بزمن وأسلوب آخر .
هل تعلم أن الكاتب ن .م.ع يعيد حكاياته من جديد ويؤمن بأن الكاتب الحقيقي هو من يكتب قصة واحدة أو رواية واحدة في حياته حتى ولو تنوعت حكاياتها ونسخها وطبعاتها عبر الزمن.. اختر أفضل وضع مناسب لقراءة قصص «وقت للحب وقت للحرب» للكاتب ن.م.ع.
اقرأ على الغلاف اسم المجموعة واسم المؤلف، ودار النشر، وتاريخ النشر، تذكر أنك تقرأ قصصاً جديدة وليست جديدة، ربما قرأتها في المجموعة الأولى «الزمن والشمس اللذيذة» ويمكن سمعت قصصاً شبيهة بها، أو دراسات نقدية متعددة عنها بعضها أطروحات ماجستير أو دكتوراه.
لم يكتبها الكاتب في وضع واحد أو زمن أو مكان واحد، كتبها في مكتبه في عدة شقق سكنها أو فيلته في حي الملك فهد بالرياض، وبعضها كتبها في المقاهي التي يزورها بالرياض، وعدد منها كتبها في بهو الفنادق التي سكنها اثناء سفره ورحلاته، وهناك قصة كتبها على شاطئ المحيط الأطلسي بمدينة اركيتا شمال كاليفورنيا، وقصه كتبها في شاطئ نصف القمر بالمنطقة الشرقية وقصص كتبها في مطعم الجامعة ما بين استراحات المحاضرات بجامعة ولاية كاليفورنيا في اركيتا، قصة «رقصة الأطلس» كتبها أو عزفها وهو يطل من الفندق على الأطلسي في كازابلانكا.
والآن جاء دورك لتفتح صفحات قصص «وقت للحب وقت للحرب» للكاتب ن.م.ع، وتقرأ هذه القصص من البداية أو من آخر قصة أو من وسط القصص، لا يهم من أين تقرأ، ويمكنك الاطلاع على فهرس القصص واختيار أية قصة مثل (أنا آدم، البعثة، وقت للحب وقت للحرب، هموم صالح الشرقي في شارع غربي، رقصة الأطلس أو بقايا الطباشير أو حكاية شوق ......).
تذكر وأنت تقرأ أن للكاتب ن.م.ع قصص «الزمن والشمس اللذيذة» صدرت 1985، وربما يظهر لك أحد أبطال تلك المجموعة من جديد في هذه القصص الجديدة وتقول ربما قرأتها، إنها ليست هي بل قصة أخرى شبيهة بها، إن هذه القصص جديدة، وهي مثل القهوة والشاي والعصائر نشربها دائما، لكن في كل مرة وفي كل زمان أو مكان تكون مختلفة، ونشعر أننا نشربها لأول مرة .
الكاتب ن.م.ع في قصصه «وقت للحب وقت للحرب» لا يحكي لك عن الحب أو السعادة أو الحرب أو السلام فوائدها ومضارها، الكاتب يتخيل ويرسم لك لوحات في الحياة يصفها كما يراها من وجهة نظره .. كتب قصصه «الزمن والشمس اللذيذة» في عمر ما بين الخامسة عشر والخمس وعشرين سنة، وهو الآن يعيد كتابتها وتخيلها ورسم لوحاتها في عمره ما بين الثلاثين والخمس والستين، هي لوحات يتخيلها يرسمها ويسردها حينا بالأسود والأبيض وحينا بالألوان .
أنت لن تتوقع شيئا جديدا من هذه القصص، لأنك في زمن معلوماتي وتقني قدم لك كل شيء، لكنها تعتبر قصصاً جديدة تكتب لأول مرة .
أهدى الكاتب قصصه الأولى إلى حبيبته التي تزوجها وقال عنها «إلى الوردة التي تفتحت في طريقي، وضمخت حياتي».. حبيبته التي تزوجها وهو لا يعرفها، أحبها وعشقها وسافر بها في زمن الحرب التي اندلعت .
هو أحب كثيرا في حياته منذ شبابه، تحدث عن حبه لصبايا عديدات عربيات وغير عربيات، فكر يخطب ويتزوج بعضهن، ولم يحدث ذلك، حدث أن خطبها ووافقت وتزوجها، تعرف عليها ليلة الزواج، أحبها وعشقها واستمر يحبها لتكون زوجته وحبيبته وأم أبنائه وبناته .
كانت قصة سيمفونية الجفاف هي المحرض الأول للكتابة، رحيل الأسرة على ظهر شاحنة من الشمال إلى الجنوب، وأول تجربة حب بريئة، جفاف ماء المزرعة، رسالة الوالد، قلق الأسرة وطموحها للتغيير، انتقال الأسرة، أبطال القصص هم أبطال معظم الحكايات القديمة والحاضرة والمستقبلية، بطولات قصصه مشتركة بينه وبين أبطال وبطلات آخرين.
كان البطل يسبح في زمنه أو أزمنته المتعددة أو المتغيرة ومازال، كان يرى المستقبل جميلا مثل شمس الطفولة اللذيذة، كان يعمل له بجد وإخلاص ونجاح، كان يحلم ليحقق أحلاما كبيره، حقق بعضا من أحلامه ورؤاه المهمة، تبقى الرؤى أحلاماً قابلة للتحقيق ووقود للحياة تتجدد كمياه الأنهار وتحفز أكثر على العمل المستمر والنجاح ..
كانت الشمس الجميلة في طفولته في مدينة حائل تغريه بالنظرة المتفائلة، وتحفزه على الكتابة، كانت تشرق صباح كل يوم على مزرعتهم الصغيرة، تنعكس بخيوطها الذهبية على صفحة ماء «الجابيه»* وجداول الماء المتسربة إلى حقول القمح والبرسيم المزهرة وشجيرات الطماطم والباذنجان والخيار المثمرة، كان يشم رائحتها الزكية، ويتأمل أشعة الشمس، تلمع على سنابل القمح الجميلة وحبات الطماطم الحمراء، وثمار الباذنجان البنفسجية .
ترتفع أشعة الشمس، تتسرب بين عسب النخيل الملتفة في المزرعة، حبات الاترنج الصفراء الكبيرة وحبات الرمان الحمراء المستديرة في أشجارها .كان يتبع رحلة الشمس اليومية والظل يحل محلها كلما اختفت عن أي مساحة في المزرعة ومالت إلى الغروب .
كانت شمس الشتاء اللذيذة، تتسرب عليه من نافذة منزله الطيني، يشعر بدفئها أيام الشتاء القارس في مدينة الشمال الجميلة .
كان يرى الشمس ويتفاءل بها تشرق لتجدد الحياة، مازالت الشمس تشرق وتحمل معها كل جديد .. كان يحب الشمس ويحب المطر، يفرح بالمطر يلعب يستمتع به حتى تشرق الشمس.
في مدينة اركيتا مقر الدراسة كان المطر يهطل أكثر من شروق الشمس، أحب المطر منذ طفولته في حائل، لكن المطر في اركيتا مختلف، مطر ثري يستمر لفترة طويلة تختفي خلالها الشمس وتكاد تكون في إجازة، عندما تشرق شمس اركيتا ونحن في الفصل الدراسي يقول لنا الاستاذ المحاضر «اخرجوا من القاعة واستمتعوا بأشعة الشمس» نخرج إلى فناء الجامعة نجد الحياة تغيرت رأسا على عقب، تحضر فرقة الموسيقى، يبدأ الغناء ويرقص الطلبة والطالبات، يعود المطر، تختفي الموسيقى، نعود إلى فصولنا أو إلى المكتبة أو إلى مطعم الجامعة.
المطر في اركيتا هادئ وغزير في تدفقه ومستمر بلا رعد أو برق أو عواصف، كنت أتذكر هطول المطر في طفولتي في حائل، يهطل مصحوبا بعواصف ورعد وبرق ويكون لفترة قصيرة وأحيانا يستمر لساعات، كان الرعد والبرق في حائل مخيف، وفي اركيتا لا رعد لا برق هو مطر هتان مستمر لأيام وليال.
كنت أقضي وقتي عند هطول المطر في اركيتا في الفصل الدراسي في حالة المحاضرات أو في المكتبة، كنت أدارس أو أطالع الكتب العديدة في تخصصي الجديد، كانت تجذبني كتب الإدارة والعلوم السلوكية والاجتماعية، وأحيانا ازور قسم الآداب والشعر والرواية والقصص، أشاهد روايات ارنست همنجواي الشيخ والبحر، وقصص وروايات جيمس جويس أهل دبلن، صورة الفنان في شبابه، عوليس، وبجوارها رواية البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست وغيرها.
أتناول هذه الروايات وأضعها على الطاولة بجانب كتب الإدارة، أتصفح القصص والروايات، اقرأ بعض صفحاتها الأولى، أستعير إحدى هذه الروايات واحملها معي إلى شقتي الصغيرة في جي ستريت. أضعها على طاولة مكتبتي في سكني؛ لأتمكن من قراءة جزء منها في أوقات الفراغ . كانت الرواية تمكث عندي أسبوعاً ثم أعيدها إلى المكتبة وأستبدلها بأخرى حتى لو لم أكملها.
أعود من الجامعة إلى الشقة بعد الظهر، أستريح قليلا، كانت قراءة كتب التخصص تشغلني عن قراءة القصص والروايات العالمية، كتب التخصص تتطلب قراءة متعمقة وتحضير للاختبارات الأسبوعية أو الفصلية، كتب الإدارة والعلوم الاجتماعية جديدة في موضوعاتها محفزة وتغري بالقراءة وملزمة في استيعابها لتلبية احتياجات ومتطلبات الاختبارات العديدة .
عادة أعود من الجامعة إلى الشقة بعد الظهر، أستريح قليلا، أضع ما حملته من كتب على طاولة المكتب بالشقة ارتاح قليلا مع كأس من عصير البرتقال، أتناول الريموت كنترول أفتح قنوات التلفزيون على قناة السادسة يوريكا في الساعة السادسة مساء لأشاهد الأخبار العالمية من خلال القنوات الرئيسية ال اي بي سي أو سي بي اس أو ال إن بي سي، أستمع إلى الأخبار لأجدها في معظمها عن الشرق الأوسط اعتداءات إسرائيلية، وحرب لبنان، وهموم الشرق الأوسط الأخرى التي لا تنتهي، أنتقل لمشاهدة بعض البرامج الترفيهية أشاهد أحد البرامج يقول الممثل لزميله «أنت مزعج مثل الشرق الأوسط» أضحك منه وعليه وأتفق معه.
في قصص مجموعة «وقت للحب ووقت للحرب» قدر البطل أن يعود في إجازة الصيف إلى وطنه، يحدث أن يمضي الصيف مع العائلة استعدادا للزواج، يعقد قرانه لأيام قصيرة ويعود بزوجته حبيبته إلى مقر دراسته، يصادف أن يتزامن زواجه وحبه الجديد ورحلة عودته للدراسة مع اشتعال الحرب بين العراق وإيران، بدأت الحرب في اليوم الذي سافر فيه من الرياض إلى نيويورك ومدة الرحلة نحو اثنتي عشرة ساعة متواصلة، وبعد الوصول إلى الفندق في نيويورك أخذ قسطا من الراحة ونزل إلى الشارع لشراء صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست ليعرف سير الحرب الجديدة ونتائجها، واكتشف في كشك الصحف ملحق لجريدة صغيرة أخبارها باللون الأحمر تصدر كل ست ساعات لمتابعة حرب العراق مليئة بصور الأسلحة والمعلومات الحربية وصور قادة الحرب الرئيس العراقي صدام حسين وآية الله خميني وغيرهم، ثناء على القائد الكارزمي صدام حسين ومعلومات ثرية عن العراق وإيران.
** **
- ناصر محمد العديلي
Chmq2012@gmail.com