د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
من لغة المحدثين التي تدل على ترهل لغتهم استعمال الفعل (قام) مقيدًا بالباء الداخلة على مصدر الفعل المعبر عن الحدث المقصود، ولم يسلم من هذا معجم الصواب اللغوي لأستاذنا أحمد مختار عمر، وسأمثل لما جاء فيه «المعنى: قام بإجازة أي انقطع عن العمل» وهو يعني الفعل (أجَّز) وهو من وضع المحدثين، و«قام الكاتب بكتابة المقال [فصيحة]-قام الكاتب بتحرير المقال [صحيحة]» يريد كتب الكاتب المقال وحرر الكاتب المقال، و«قام بتسديد دينه [فصيحة]-قام بسداد دينه [صحيحة]»، يريد سدّد دينه، وسدّ دينه، و«قام بتنظيم تسع عشرة رحلة [فصيحة]»، يريد نظّم تسع عشرة رحلة، و«قام الموظَّف بفحص العهدة [فصيحة]-قام الموظَّف بجرد العهدة [صحيحة]»، يريد فحص الموظَّف العهدة، جرد الموظَّف العهدة، و«قام الفلاح بريّ الأرض [فصيحة]»، يريد روى الفلاح الأرض، و«قام بمَسْعًى طيِّب [فصيحة]»، يريد سعى سعيًا طيّبًا.
نجد كل ذلك في المعجم على الرغم من ورود مناقشته هذا التركيب في الخطأ رقم3945 بعنوان (قَامَ بِدَفْع)، ص 1: 598. ولكنه ناقشه ليصححه، قال «مثال: قام بدفع المبلغ.الرأي: مرفوضة. السبب: للحشو في بناء الجملة. الصواب والرتبة: -دفع المبلغَ [فصيحة]-قام بدفع المبلغ [صحيحة]. التعليق: لم يخرج الاستعمال المرفوض عن القواعد اللغوية ولم يشذ عن دلالات ألفاظه، فقد أثبتت المعاجم المعنى «قام بالأمر» أي فَعَله، ولكنه استعمال مستحدث، وقد أثبتته بعض المعاجم الحديثة، ومنها الأساسيّ».
والحجة المنسوبة إلى المعاجم غير قوية؛ فالقيام بالأمر المذكور ليس فعل الأمر بل التكفل بالأمر مثل القيام عليه، جاء في معجم العين (5/ 413) «كَفَى يَكْفِي كِفايةً، إذا قام بالأمر» فقوله إذا قام بالأمر تعني إذا رعاه، وجاء في معجم ديوان الأدب للفارابي (3/ 400) «والقيامُ ضِدُّ القُعودِ. ويُقالُ: قامَ بأمرِ كذا» أي تكفل به ورعاه، وجاء في الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (ص: 192) «وسُمي ذلك الحلف حلف الفضول؛ لأنه قام به رجال من جرهم اسم كل واحد منهم الفضل»، أي تكفلوا به، وجاء في تهذيب اللغة للأزهري (2/ 24) «وصَنَع فرسه إِذا قَامَ بعلفه وتسمينه». أي عني بذلك واهتم، ومثله في تهذيب اللغة (3/ 125) «الضبع إِذا هَلَكت قَامَ الذِّئْب بشأن جرائها»، أي تكفل بهم.
وقد يحتج أحد بقول حسان بن ثابت مع أنه أدخل الفعل (قام) على فعل لا على مصدر مجرور بالباء، قال حسان:
على ما قام يَشْتِمُني لَئيمٌ ... كخِنْزِير تَمَرّغَ في رَمادِ
والمعنى علامَ قيامه شاتمًا إيّاي، فجملة (يشتمني) في محل نصب حال. ومنهم من عدّ (قام) زائدًا، قال البغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب (5/ 220) «وقال ابن بري وابن يسعون في شرح أبيات (إيضاح الفارسي): زعم أبو الفتح أن قام هنا حشو زائد، وليس كذلك، لأنها تقتضي النهوض بالشمّ والتشمير». وهذا المعنى هو معنى فعل الشروع، فالفعل (قام) في بيت حسان قد يقصد به الشروع، قال ابن هشام في تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد (ص: 404) «وجملة (يذود) حال الفاعل، أو خبر (قام) إن فسرت بشرع، كقوله: [الوافر].
(على ما قامَ يشتمنُي ليئمُ ... [كخنزير تَمَرَّغَ في رمادِ])».
ومن هنا فليس لقول المحدثين قام بفعل كذا بمعنى فعله أصل، بل هو تزيد ربما وهبته الترجمة الحرفية من لغات أعجمية.