د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** اتفقنا على لقاءٍ شهريٍ لا يُخلَفُ موعدُه إلا لطارئٍ على أن يُعقدَ خارجَ بيوتنا، واخترنا مزرعةَ أحدِنا، وأن نصليَ العشاءَ معًا، وننصرفَ عند الحادية عشرة ليلًا حدًا أقصى، وأن يكون العشاءُ صحنَ «فول» يعدُّ في المكان نفسِه، ولا يزيد إلا فنجانَ قهوةٍ في المبتدأ وشايٍ مع العشاء أو بعده، وأن يقتصرَ اللقاءُ على «ثلاثتنا» فقط.
** جمعَتنا الهواجسُ الثقافية، وكونَّا مجموعةً افتراضيةً، وأجمعنا على ألا يتجاوز ما يدور في أحاديثنا - حين نلتقي شخوصًا أو عبر الوسيط - شؤونَ الكتب، وأخبار الكُتَّاب، وقضايا الثقافة والمثقفين، ولكلٍ منَّا تجربته في الميدان، قراءةً وتأليفًا واهتمامات، وهي تجاربُ نائيةٌ عن صخب الوسط الثقافي، وما قيل وما يُقال، ومن قال ومن تقوّل.
** صار مضيفُنا في مزرعته صيفًا ومخيَّمه شتاءً الدكتور خالد بن سليمان الراجحي، وتولى تحديدَ المواعيد -بيومها وساعتها- منسقُنا الحازمُ اللطيف الدكتور فهد بن علي العليَّان، وليس لصاحبكم دورٌ سوى الاستمتاع بالجلساتِ المضيئةِ مع صاحبيه.
** لأبي عبدالملك الراجحي تآليفُ ثقافية تخطت عشرة كتبٍ خلال الأعوام القريبة الماضية، وأولها: (جسرٌ من ضوء – 2013م) عن تجربته الدراسية والمعيشية في غلاسغو، وأشهرها رواية: (سرّ الجبل – 2016م) عن أيام تحصيله في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وآخرها: (وجدتُها) وهو عن استخدام العقل والمنطق للوصول إلى حقيقة الأشياء.
** أما أبو علي العليان المعنيُّ بالقراءة وتجارب الباحثين والقارئين كتابةً واستضافةً وتحفيزًا، والمشرف على البرامج الثقافية المنبرية في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وعلى المسؤولية الاجتماعية في مؤسساتٍ تنموية فقد أصدر كتابه الأول عام 2008م (أبحاث في القراءة)، وله كتاب سيصدر قريبًا: (حكايا من الذاكرة)، واهتماماته العمليةُ لم تُلهه عن أنشطته المعرفية.
** نتج عن لقاءاتنا تكوينُ مجموعة (عبق) – وهي اختصارٌ لعنوان: العربيَّة بدون قواعد - وهدفها تقديم الفصحى خطابيًا وكتابيًا ومشافهةً بأيسر السبل من أجل تقويم الألسنة والأقلام، وقد نفذنا منها دورةً تجريبيةً تخصصيةً، ولقاءً تشاوريًا عامًا برعاية ودعم مؤسسة الراجحي للأعمال الإنسانية، وكونّا لها لجنةً إشرافيةً، ولعلها تواصل سيرَها عند تحويلها مع برامج مشابهةٍ إلى جمعيةٍ أهليةٍ للُّغة العربية.
** يعزفُ صاحبكم عن اللقاءات الرسمية والمراسمية إذ لا يجد نفسه فيها، وفي المقابل فإنه نشطٌ في اللقاءات الحميمة، بل يسعى إليها موقنًا أنها تضيء داخلَه وتضيف إلى خارجه، وأبرزُها ما يضمُّ ذوي العلم والتجربة والخُلقِ الجميل، ويلذُّ له أن يكون منهم وبينهم ومعهم، كما حافظ ويحافظُ على علاقاته القديمة من أيامِ الصِّبا وأول الشباب، ويختارُ في ارتباطاته الجديدة «القليلة» من هم مثلُ « ثلاثية الفول».
** استعاد بهذه « الدورية» الأنيقةِ قيمةَ الأشياء حين يصنعُها الحبُّ وتتوجُها الإلفةُ وتنأى عن المصلحة، ومن يستوعبْ دروس الحياة يدركْ أن ما يتبقى منها رفقةٌ صالحةٌ صافيةٌ تحملُ الوجاهةَ الحقةَ بمعنى وعيِ الذات ونقاء السِّمات.
** الودُّ لا يُشترى.