إهداء إلى القادرين على فتح أبواب الثقافة المحلية الذاهبين إلى حداثة الاشتغال الأدبي (أحمد المناعي - علوي الهاشمي - إبراهيم بوهندي - إبراهيم غلوم).
منذ زمن طويل وأنا أفكر في كتابة كتاب عن الرواية في البحرين، ولكن تطورت الفكرة واتسعت، وبخاصة بعد معرفة شح المصادر التي تتناول السرد البحريني بشكل عام، قياسًا بتلك الدراسات المتوافرة في المكتبات والجامعات عن الأدب عامة في المنطقة، والسرد بخاصة، وإذا كان كتاب إبراهيم غلوم عن القصة في الكويت والبحرين يعد مرجعًا مهمًا للدارسين والباحثين، فإن عددًا من الإصدارات والنتاج القصصي جاء بعد إصدار هذه الدراسة، وهذا ما حفزني للكتابة أيضًا، ومما زاد من هذا الشغف احتفالية أسرة الأدباء والكتاب باليوبيل الذهبي لعمرها المديد، المؤسسة الأدبية التي أخذت على عاتقها وهي تحتفل بخمسينيتها الكتابة عن الأدب في البحرين، من هنا عزمت الأمر وحسمته ليكون هذا الكتاب أحد الروافد التي يمكن تفيد الطلبة والدارسين والأكاديميين والباحثين في السرد البحريني، فإن وفقت فهذا فضل من ربي، وإن أخفقت فليعذرني القارئ، وعلى النقاد والباحثين مواصلة البحث والدراسة لسردنا المحلي، حيث نحن بحاجة ماسة إلى المزيد من الكتابة والبحث والتحليل والتوثيق.
ولأن السرد هو فن نقل الحياة اليومية ممزوجة بالمتخيل، تلك الحياة والواقع المعيش القائم على التغيير والبناء، وفي السياق الثقافي أيضًا، وهذا ما يؤدي إلى الانعكاس الطبيعي لمختلف مظاهر الحياة النفسية والعقدية والاجتماعية والثقافية التي يحياها الناس وأفراد المجتمع، وإذا استطاعت الرواية البحرينية البروز في النص الثاني من القرن العشرين، فإن العقد الأول من الألفية الثالثة شهد حركة تأليف وكتابة سردية قصصية وروائية لافتة لكتّاب لهم خبرتهم السردية، وإلى شباب حاولوا أن يحذوا حذو من سبقهم، وهناك من الشباب الذي كتب ونشر ولكن لا يزال منزويًا غير راغب في التواصل مع المشهد الثقافي والأدبي في البحرين.
والكتاب الذي بين أيديكم أيها القراء مكون من جزأين، يتناول الجزء الأول دراسة للسرد في البحرين من خلال مدخل وثلاثة فصول، وخاتمة، إذ يتناول المدخل الكتابة النظرية لمفهوم السرد بشكل عام، قصة، ورواية، وقصة قصيرة جدًا، وكذلك النص المقترح، ثم الفصل الأول الذي يتناول تاريخ القصة في البحرين وبداياتها، والعوامل التي أسهمت في ظهورها، ونشأتها، وخصائصها، منذ أربعينيات القرن الماضي محاولين الوقوف على ما وصلت إليه القصة القصيرة حتى العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وتحديدًا حتى عام 2018، ذاكرين من كتب عبر الفترات سواء المتواصلة أو المنقطعة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، التي شكّلت النشأة والتاريخ، وعارضين العلاقة بين الكتابة الورقية ومدى انحسارها أو استمرارها في ظل وجود الشبكة العنكبوتية وظهور منصات التواصل الاجتماعي المتعددة، مع التدليل والتوضيح بإحالات واقتباسات من النصوص القصصية التي نشرها الكتاب أنفسهم.
أما الفصل الثاني فسيكون مخصصًا للرواية، والعوامل التي ساعدت على ظهورها في البحرين بستينيات القرن الماضي وسبعينياته، ثم ظهور أول رواية بحرينية ذات سمات الكتابة الروائية الحديثة، وهي (الجذوة) التي صدرت في عام 1980، ويستمر الفصل تناولا ومناقشة الرواية البحرينية عبر مكوّناتها وتقنياتها، والموضوعات التي تناولتها، ثم الحديث عن الملامح التي شكلت الرواية في البحرين، والوقوف على مسيرة التجربة السردية في البحرين من خلال أعمال تدلل على ما نذهب إليه في مناقشة المكوّنات أو الملامح بغية معرفة هذه التجربة من حيث اتساقها مع الواقع المعيش، أو عدمه، ومن حيث الوعي الذي تتصف به نصوص هذه التجربة التي وصل عمرها إلى أكثر من سبعين عامًا، ولا شك أن الوعي المنتشر في بعض فضاء هذه السرديات القصصية والروائية تؤكد درجة الوعي عند أصحابها، وبعد هذين الفصلين نقف عند الفصل الثالث الذي يشمل النص المفتوح والقصة القصيرة جدًا، وتطلعات كتابها، وبعض نصوصهم، والنصوص المفتوحة التي لم يسمّها أصحابها بأي نوع من أنواع الأدب شعرًا أو سردًا، مع ذكر بعض النماذج، وننهي الجزء الأول بخاتمة أطرح فيها ما توصلنا إليه من نتائج مع مجموعة من الأسئلة التي نراها مهمة لكتّاب السرد عامة، وفئة الشباب بخاصة.
وخصصنا الجزء الثاني للملاحق المتنوعة حيث قسمنا الملاحق إلى: ملحق مختصر بسرد سيرٍ مختصرة عن الكتّاب الذين كتبوا قصصًا أو روايات أو نصوصًا مفتوحة أو قصة قصيرة جدًا، وملحق يتضمن عناوين الإصدارات وتاريخها، وعددها، وهي أسماء الكتّاب الذين لم يصدروا أي إصدار، والكتاب الذين أصدروا مع عناوين إصداراتهم وتاريخها حتى عام 2018، وذكر بعض الأعمال التي صدرت في عام 2019 رغبة في تقديم صورة واضحة للقارئ عن المنجز السردي في البحرين، وينتهي الكتاب بالمصادر والمراجع. وتعاملنا مع مادة هذا الكتاب بأكثر من منهج للضرورة البحثية، إذ وظفنا المنهج التاريخي لما له من أهمية في معرفة الأبعاد التاريخية سواء في تاريخ الصدور، أم في آلية التفكير والكتابة التي تحوّلت وتغيّرت عبر الزمن وفقًا لما يتمتع به الكاتب وعيًا وثقافة واطلاعًا وتحديثًا في الكتابة، كما اهتممنا بتحليل بعض النصوص في سياق التلقي الآخذ نحو التحليل والتأويل، وفي الوقت نفسه ونظرًا للعدد الكبير من النتاج طوال أكثر من سبعين عامًا، وعدم اتساع مساحة وحجم الكتاب والوقت لدراسة كل الأعمال، وهذا شيء مستحيل، لذلك اعتمدنا نماذج من الأعمال التي تعطي دلالة واضحة للمشهد السردي في البحرين.
وسيجد القارئ الهوامش مختصرة أسفل الصفحة على غير العادة والتدوين التي يراها في الكتب والدراسات، أي مختصرة على اسم الكاتب، واسم الكتاب، والصفحة، وتعمدنا إلى هكذا منهجية من أجل إحالة القارئ إلى قائمة المصادر والمراجع، ومع هذا وجود أحيانًا المسرد كاملاً في الهامش حين نسجل من دون الاقتباس، أو عندما يتعلق الأمر بالصحف والمجلات.
وفي الختام أقدم الشكر الجزيل إلى مجلس إدارة أسرة الأدباء والكتاب (الدورة الانتخابية 2017 - 2019)، الذي كلفني بإعداد هذا الكتاب بمناسبة خمسينية الأسرة (اليوبيل الذهبي) التي تصادف 28 - 9 - 2019 بعد تأسيسها في عام 28 - 9 - 1969، كما أقدم الشكر إلى جميع الأعضاء والمنتسبين والأصدقاء لإيمانهم الحقيقي بدور هذه المؤسسة الأهلية في رفد الحركة الثقافية والأدبية محليًا وخارجيًا، وأشكر كل من قدم لي العون والمساعدة التي أسهمت في إنجاز هذا الكتاب، وأخص بالذكر الأستاذ الناقد أحمد المناعي، والدكتور الناقد علوي الهاشمي، كما أنوه بالإشارة والاعتذار لجميع كتاب النص السردي، فلربما يجدون بعض العثرات والإخفاقات، أو عدم ذكر بعضهم، أو لعدم قناعتهم ما نظرت إليه لعملهم.
** **
- د. فهد حسين