لأول مرة أفتح الستار بالكامل حينَ أستيقظ،
استلقتْ الشمسُ على سريري، وشعرتُ بدفء لم أشعر به منذ زمن.
حسنًا الجو جميل، قررتُ اليوم القيام بأشياء مختلفة..
لن أرتب سريري، لن أبدّل ملابس النوم ببنطال ذي حمالتين وقميص مقلّم، تقاطع الحمالتين على ظهري يشعرني بأنها علامة تنذر الآخرين بالابتعاد عني، لا بدّ وأنها سبب وحدتي!
حدّثتُ شعري بجدية: «لن أصففكِ أيتها الشعيرات النابتة في هذا الرأس القلِق، سأدعك وشأنك اليوم.»
المذياع.. المذياع.. لا داعي لتشغيله أيضا،
ها، لن أصنع كوب قهوة، وحتمًا لن أجلس قبالة النافذة وبيدي كتاب كلاسيكي أبحثُ فيه عن نفسي، سوف أمرح كثيرًا وأرقص أمام المرآة كالـ.....
أرقص! نعم ما المانع؟
سأرقصُ كالمجانين.. وأنظرُ من الثقب كل ساعة، لا كل نصف ساعة.. عشر دقائق... لا لا بل كلّ دقيقة، أنا متحمس جدًا، حتمًا سيكون يومًا رائعًا..
وقفتُ أمام مرآتي، وكأنّي أرى نفسي لأول مرة، كنتُ مقسومًا إلى نصفين متعادلين تمامًا.
احترت إلى أين يجب أن أذهب بجسدي كلّه إلى نصفي الأيمن أم الأيسر.
قادتني حيرتي لتأمل شرخ عميق يشطر المرآة إلى نصفين، دنوتُ منه كثيرًا..
شاهدتُ هناك غرفة تشبه غرفتي تمامًا، ورجلٌ يجلس ووجهه للمكتبة التي تقابل سريري، تبدو هيئته من الخلف كهيئتي، قال لي: «اقترب أيها البدين.»
ذُهلتُ، تراجعت للخلف بضع خطوات بعد أن سرى في جانبي رأسي تيار كهربائي هزّ جسدي كلّه.. حاولت الاقتراب أكثر، أردفَ: «أينَ الحمّالتين؟.. ألا تخاف أن يقع بنطالك ويرى الجميع سروالك الداخلي ذا اللون الفاقع؟».
سرى تيارٌ آخر في جسدي وبدأتُ أرتجف.
يا للهول، صوته يشبه صوتي تمامًا لكنّه أكثرُ حدّة. لم يتوقّف عن الكلام بسخرية، قال: «هلّا سددت ثقبَ الجدار الذي لا تجرؤ على أن تنظر منه إلى جارتك الشقراء وهي تبدل ملابسها؟.
ما الفائدة منه ما دُمت جبانًا أيها الرجل العانس؟».
لمْ أتمالك نفسي، شعرتُ بأن رأسي يسخن، أطرافي تسخن وصوته كانفجار يدوي في جمجمتي..
«ألا زلتَ تلقي التحية على جيرانك بهزّ رأسك المُتدلي من رقبتك الرخوة حين تمرّهم؟ اهتزاز رأسك لن يُثخن صوتك الطفولي..» ساد الصمتُ لحظات قبل أن يقول: «الاجتماع العائلي كل أسبوع لا يعنيك، أليس كذلك؟»
كفاي تسدان أذنيّ، ورأسي يتحرك باضطراب يمنة ويسرة.
قال بصوت خفيض متحشرج: «... جبان.»
احتقن جسدي بالدماء، بدأتُ أغلي وأفور والدمعُ يفيض من عيني، لكمتُه بكل ما أوتيت من قوة، تناثرت أشلاء المرآة في كلّ مكان.
ضمدتُ جرحي، أغلقتُ الستار، استلقيتُ فوق سريري..
لا يزال دافئًا، ورحتُ في سبات عميق.
** **
- صفاء الأحمد