كاتب شاب أدمن التمرد منذ صغره, كان يقسو على الحروف فتأتيه طائعة صاغرة مطيعة ليصنع بها ومنها لوحاته الإبداعية ورموزه التي تفرد بصنعها, يمتلك قلمًا من حديد, ومن حرير, ومن أغصان مبللة بطين وحبر من مياه آبار جافة. نحيل الجسد يتكئ على ذاكرة تحمل خطوات العابرين من (مسورو) الى انجمينا التعيسة, رفض أن تبقى حروفه حبيسة لمرأة الواقع, فألبسها توق الحرية, ونسج لها أجنحة كي تحلق في فضاء الإبداع؟
«محمد جدي روزي» لطالما كتب عن تعب وطنه لكن حلمه لم يتعب, وهو الذي كتب عن أولئك الذين يهربون المستقبل في جيوبهم وينصبون للحلم مشانق الإعدام, لا يمنحهم الفرصة للهروب, يحشرهم بين السطور ويجعلهم عناوين متداولة, منشغلاً أبدًا في أن يروي تفاصيل يومياته ويهديها لأوراقه المبعثرة كي تصنع له أجنحة يستطيع من خلالها الطيران إلى البعيد. اتخذ من تضاريس الليل رفقة فتتسلل إليه في حلمه خلسة ضفائر السمراوات فتكبله إلى الغيوم بعيدا, لكنها تهبط به فجأة, وتلقيه إلى يم الملل, جوار شجرة النيم التي تشبه وطنه فهي حية تتنفس الهواء ولكنها مغروسة في الأرض لا تتحرك أو تتقدم خطوة أو شبرًا.
وهي كما يصفها روزي ظلها ملاذ للشباب العاطلين عن العمل وعن الأمل والحياة, كتاب, رسامون, طلاب, موظفون, وكانوا يملكون كل شيء عدا الأمل.
بدلا من أن يكتب عن الثورات اختار الكتابة عن حياة الروتين, ليس اليومي فحسب, فهو يرى الروتين في كل شيء, في حكم عرفه منذ ولادته ولم يتغير, في عادات متجذرة متوارثة, عن استبداد متوارث ظل جاثماً, وعن استعمار يزور التاريخ ويحقن الاحلام بالإعاقة والشلل.
في روايته الأولى (زمن الملل) الصادرة عن دار المصورات 2021, يعترف الكاتب التشادي «جدي روزي» بأن الكلام لا يمكن أن يصف الواقع فهو واقع اليم وكل الخطط مؤجلة وكأنه يقول حتى التفكير بامرأة جميلة نتقاسم معها القمح ونتوسد معها أوراق الشجر, يحكي عن أولئك المتعبون من الحلم لا يأويهم سوى ظل النيم فالأرض لا تسع سوى للسارقين والفاسدين, شجر النيم هي الموطن لهؤلاء, يحكون معها ويقصون لها عن حكايات يأسهم وملل لا يغادر نهارهم, تنصت لهم, يتكئون على صخور الضجر ويزرعون منها ضحكاتهم الموحشة, يهتفون بأن لنا في هذه الأرض مثل ما لكم, لنا حق الفرح, حق الحياة, حق السفر, لنا حق المنح وحق الاحتفاء والاحتواء.
مبدع في كتاباته وكأنه الحائك الذي يحيك ألوان القبح فتحيل الحروف جمالًا, يطرزها فتهفو للغيث مزراب إبداع تنحني له أكمام الورد, فيحفر في الوقت ذكريات غابرة ويرسل معها رسائل للحياة وللغد لكنها رفقة ساعي بريد يهوى الموت.
** **
علي يوسف - كاتب وروائي تشادي