منذُ البدايات والمرأة تعيش صراعاً وجودياً في مجتمعنا الشرقي تحاول مرة وتخسر المعركة لتعود مرةً أُخرى وتفشل مجدداً بتغيير الصورة النمطية المُتعبة التي خلقت حولها هالة من الحقوق المُغتصبة تحت بند النقص وعدم الكفؤ.
اليوم نبدأ عصراً جديداً استطاعت فيه المرأة كسب جولات عديدة في معركة الوجود.
المرأة الأم التي تُعطي بزخاء ولا تنتظر رد الحقوق، المرأة التي تتألم وتخفي الألم خشية من العقاب.المرأة التي تخجل من كونها امرأة. كل هذه المقاييس تبدلت فبدأت تروي حكايا معاناتها وتدافع عن حقوقها باستماتة لتغيير الصورة النمطية المجحفة بحقها.
فالمرأة ليست كما وصفت دوماً ذلك الكائن الهشّ الناعم الذي ينكسر عند أول محطة مجابهة بل هي كانت ومازالت تمتلك قوة هائلة من الإصرار وطاقة كامنة من العطاء ولربما تفوق الرجل بمكامن العاطفة التي تستطيع تغيير الكثير من حولها نحو الأفضل وليس فقط تغيير ذاتها.
المرأة منذ القِدم تحارب النظام التقليدي الذي صورها ببنية ضعيفة ووضع لها محاذير وخطوط حمراء. وظل يحارب في المجتمع ليُبقي عليها سجينة داخل أسوار منزلها كآلة للإنجاب تعمل فقط داخل تلك الحدود.
اليوم بدأت المرأة بتغيير نظرة المجتمع بالمحاربة لأخذ حقوقها دون التقصير بواجباتها تجاه عائلتها ومنزلها كونها مؤسِّسة لها أهمية كبيرة في النهوض بالمجتمع. ودون الانقاص من فكرة الأمومة الوجودية التي جُبلت عليها وكُرّمت بها، فدور الأم من أهم ما تستطيع تقديمه المرأة منذ الأزل وإلى اليوم كدور بطولي مليء بالعاطفة والحب وتكتمل صورة المرأة المثالية بمقدرتها على الموازنة بين دورها كأم ودورها كامرأة فاعلة بالمجتمع بكافة النواحي الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ولابد من التأكيد على أن هذه الموازنة ليست بالأمر السهل ولكن المرأة بطابعها القوي قادرة على فعل كل شيء لتكون كما تتمنى.
فالمجتمعات التقليدية منذ القدم صورت المرأة بالضعف وجعلتها تقف خلف باب الحقيقة لتتحدث عن الظلال والأخيلة دون التطرق إلى حقيقة ما عانته وتعانيه في كونها أماً وامرأة في مجتمع شرقي يحارب تطلعاتها وحقها بالوجود كمثقفة وعالمة وطبيبة وغيرها من الطموحات التي صُنفت تحت بند «العيب» ومخالفة العادات والتقاليد.
اليوم بعد كل هذا الصراع اختلف كل شيء أصبح من حق المرأة المحاربة لأجل حقوقها والحديث عن كل ما تتعرض له سواء من عنف أو تهميش أو منع وباتت قادرة في الخوض في أحاديث معاناتها. ولا ننكر وجود فئة كبيرة ترى أنما يحدث من ثورة نسائية يخالف تقاليده التي جرمت المرأة كثيراً فقط لأنها امرأة دون النظر إلى أنها تستحق الحياة فهي من بعد الخالق عز وجل تؤسس للحياة كلها كونها أُماً مُربية لأجيال.
نستطيع اليوم أن نتحدث عن آلاف الحلول التي بيد المرأة لتغيير الواقع المُظلم ولكن في المقدمة والحل يبدأ عندما يعترف المجتمع أن المعركة انتهت والمرأة والرجل مكملان لبعضهما وعليه حرق تلك الأفكار ورميها في مقبرة التاريخ للنهوض بالمجتمع على كافة الأصعدة دون تجريم للمرأة وتحقير صورتها الأنثوية وتغليفها بالضعف. وحرمَانها من الحديث عن تجاربها الأنثوية وكأنها وصمة عار تخشى الكاتبة أن تتحدث فيها خوفاً من ردود أفعال استفزازية لا تتطلع إلى الأمر كحدث وجودي متأصل مع وجودنا. فعصر المرأة الحرة قد بدأ، عصر الحرية الذي يحترم المجتمع وتحقُّ به حقوق النساء دون التعدي على حرية الآخر أو المساس بالمعتقدات.
فحرية المرأة هي مطلب لمنحها حقها في الحياة دون التقليل من قيمتها ووجودها وطموحاتها.
اليوم ومع نهضة المرأة لسنا بحاجة إلى رجال يكتبون عن آلامنا ويتحدثون عما نواجهه كنساء في هذه الحياة بل من حق جميع النساء الحديث عن كل ما يمررن به من صعوبات وضغوطات كبيرة لتحقيق الذات خارج كيان أُمّ وفقط.
** **
ليلى سرور - روائية من لبنان