لطالما كانت لدوافع العقل الباطن تأثيرها الخفي في تصرفات الإنسان المنبثقة من تجلياتها، من بينها ردة الفعل العكسية التي تجعل الإنسان يتبنى موقفاً مغايراً لذلك الذي يؤرقه؛ لكي يدحضه، هذا ما نحى ببعض النساء لرفض رأي الآخر عن ملكاتها، وبالمقابل ما إن ارتفع سقف هذا الموقف إلا برزت شريحة وسطية من النساء تقبل برحابة صدر وحب رأي الآخر عنها، وتعبيره عن فطرتها الأمومية.
وهذا أيضاً ما يفسر لنا لجوء المرأة للدفاع عن نفسها أمام من يلصق بها صفات الضعف والعجز، إلا أنه في المقابل ثمة نساء قويات فكريا لا ينخرطن بهذه الدوامة؛ فيعزفن عن التبرير، والتاريخ يثبت عكس ما وصمن به من خلال الأعمال الريادية، والقوى الفكرية.
قد ينطبق كلامي هذا على المشهد اليوم، لكن بالعودة إلى التاريخ نجد المرأة قاست إجحافاً في بعض المجتمعات المتزمتة، المنتصرة للسلطة الذكورية، وبين الفينة والأخرى نجد التاريخ يبث لنا أسماء نساء ناضلن لأجل حقوقهن، وبهذا المجال أرى أن التاريخ يهمه ذكر ما سجله من هذا النضال، وفي تاريخ كل امرأة مناضلة ثمة أنوثة طاغية تحلت بها طيلة حياتها، لكن ربما اقتصار التأريخ على الجانب الذي يعنى به، غيب عنا الجانب الآخر من انغماس المرأة في أنوثتها وأمومتها الحانية في معتركات النضال، فهي كمن يمسك الماء والنار في كف واحد!
وربما التدوين التاريخي والإعلامي الساري على هذا الغرار أوقع كثيراً من النساء في فخ التعري من الفطرة الأنثوية الرقراقة؛ ظنا من بعضهن بأنه لا يمكن الجمع بين القوة تاريخية كانت أم فكرية وبين رقة الأنوثة.
وإلى جانب هذا فإن للتاريخ دوره بإلصاق وصمات العار للمرأة ما من شأنه التأثير بأغوار العقل الباطن مما يحدد منحى التصرفات، فلا أجد خيرا من قول د. سميرة بلسود إذ قالت لي مرة:» لا تجعلي خصمك في بالك؛ لكي تفكري بشكل سليم» ومن الجيد أن ينسحب ذلك على تعاطي المرأة مع ما حاول التاريخ إلصاقه بها من صفات هي منها براء.
هذا، وإنه لمن الحميد أن تعي المرأة بأنه لا يوجد أنموذج لكائن واحد لزاما على الجميع التقولب به، فالشجرة لها خواصها التي لا تتوفر بالنمر، وبالنمر خواصه التي لا تتوفر بالرجل، وبالرجل خواصه التي لا تتوفر بالمرأة، وبالمرأة خواصها التي لا تتوفر بالبحر.. وهلم جرا، وعلى كل كائن في هذه الطبيعة أن يتقوى بخواصه التي تعد ركيزة من ركائز الطبيعة.
وبشأن تحفظ المرأة -غالبا-على الحديث عن خواصها الأنثوية، فرأيي أنه بالمقابل للرجل خواص فطرية لم أعهد أن قرأت لرجل يتحدث عنها، فأعتقد أن هذا أمر وارد على المستوى الإنساني على حد سواء. وأما حديث الرجل عن خواصها فأرى أنها لم تتركه له بقدر ما كان الحديث اختياراً من تلقاء الرجل.
** **
- مرام الصبيح