هو عذب العبارة، لطيف الإشارة يعلوه الوقار، يزينه الحلم والأناة، ينظر للحسن من الأفعال ويبصرها، ويغمض عينيه عن المعايب بل يسترها، زكيُّ النَّفس حسن الصِّيت، سديد الرَّأي أديب اللفظ، لطيف المؤانسة حسن المعشر على علوِّ كعبه في العلم ورفعة الدَّرجة، يلاطفك في الحديث بلطف الحديث، يحادثك في الأدب بالأدب، لجماله وكماله تأنس إليه وتجلُّه من أوَّل لقاء به، فهم ممَّن جمع له بين الحلم والأناة، فهي من حسن صفاته وجميل سجاياه.
كان مديراً عامًّا للتَّعليم في منطقة حائل أكثر من عقدٍ ونصف (1405هـ - 1425هـ)، وقد عَرَفَ هذه السِّمات مَن لم يكن يعرفها من قبل ممَّن تعامل معه والتقاه إبَّان إدارته للتَّعليم بحائل، وكذلك مَن جالسه في الملتقيات العلميَّة والنَّدوات الوطنيَّة الَّتي يشارك فيها، فكلُّ من التقاه حمد له حسن لقياه به.
هو أستاذ في الأدب إذ يحمل شهادة العالِميَّة العالية (الدكتوراه) في تخصُّص الأدب العربيِّ القديم، وهو أديب بالفطرة فقد جُبِل على حسن الخلق والسَّكينة والأناة، يأخذك بحسن اللفظ وفضل اللطف، والتَّعاطي السَّمح والخلق العالي النَّبيل في مخاطبته للآخرين ومكاتبته لهم ممَّن هم في رتبته الوظيفيَّة أو درجته العلميَّة أو دونها صغاراً كانوا أم كباراً.
نعم لقد حمل همَّ التَّعليم بالمنطقة ونهض به فيها، فقد أدار ركاب التَّربية والتَّعليم في منطقة حائل سنين عدداً يُذكر بخير، ويشكر على قراراته وتوجيهاته وتوصياته واقتراحاته، كلُّها تسعى وتصبُّ في صالح النَّفع، وفي سبيل تحقيق المقاصد واستنجاز الأهداف، واقتطاف الثَّمر، فلم يكن عسيراً في كتابه ولا خطابه، ولا شحيحاً في ذاته ولا رأيه، ولا مستصعَباً الوصول إليه، ولم يكن معقِّداً ولا مُعقَّداً ولا يحبُّ التَّعقيد، أو مشكلاً أو يحبُّ الاستشكال، بل يحمل الأمور على محاملها ما دامت تحتمل، ويعالجها بعدم البتر والقطع مع وجود بصيص أملٍ دونما بترٍ وقطعٍ.
وقد حُمِّل همَّ النَّادي الأدبيِّ فحمله خير محملٍ، وحمل معه همَّ الثَّقافة والأدب في منطقة حائل، فقد رأس النَّادي الأدبيَّ عَقداً ونيِّف مذ إنشائه (1415هـ)، وكان مثالاً للاحتذاء بلطف الأخذ، ومثاراً للاقتداء بحسن التَّعامل، مثابراً للنُّهوض بالنَّادي كياناً وإنساناً، مشاركاً بالنَّادي مع بقيَّة النَّوادي الأدبيَّة في بلادنا المملكة العربيَّة السُّعوديَّة حضورَ كيانٍ وبسطةَ غَناءٍ وإثراءَ ثقافةٍ.
فقد كان يجهد لخدمة النَّادي، والنَّادي في بداياته، والبدايات تكون مجهدةً كليلةً غير أنَّه جَهِدَ ليكون للنَّادي حضور ومشاركة في مصافِّ النوادي الأخرى في بلادنا، وجهد كذلك ليكون النَّادي في خدمة أبناء المنطقة الَّذي هو باسمهم، وحرص على أن يكون للنَّادي حراكٌ بين النَّوادي، مشاركاً في المناسبات، ومنافساً في المناقشات، وحاضراً في المسابقات، وأكتفي بما قلتُ ولا أزيد، فسعادته ممَّن يتَّسم بنكران الذَّات، وكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق.
قدحة ختام.. لقد كان التَّعليم في عهده وإبَّان إدارته وادعاً رضيًّا، ومسيره هادئاً رخيًّا، حُسْنُ النِّيَّات مقدَّم على سيِّئها، وحُسن الظَّنِّ غالب على المساءة، والسَّماح فائق اللدد، والمشاركة غالبة على المناكفة، والتَّيسير يسابق التَّعسير، والتَّبشير يلدُّ التَّكشير.
وكذا الحال في النَّادي الأدبيِّ في روَّاده في أطروحاته، وفي منتدياته ومنطلقاته تؤخذ الأمور باللطف، وتستنطق الأحداث بحسن التَّأتِّي والأخذ، وتستعذب التَّراكيب بلطف اللفظ ونديَّه، وتلاطف الكلمات بحسن العبارة، والإشعار برمز الإشارة.
حفظ الله رجل التَّعليم المحنَّك سعادة الأستاذ الأديب الدُّكتور: رشيد بن فهد العمرو، وبارك له في عمره ووفقَّه لكلَّ خيرٍ، ومنَّ عليه بالصَّحة والسَّلامة والعافية، وجزاه الله خير ما جزى رئيساً عن مرؤوسيه. والحمد لله ربِّ العالمين.
** **
د. فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح - كلِّيَّة اللغة العربيَّة/ جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة.
fhrabah@gmail.com