أشعر بثقل في صدري لدرجة أنني لا أمتلك القدرة على التنفس, خطواتي كانت بطيئة جداً شعرتُ في تلك اللحظات أنني مجرم قدماهُ مقيدتان بالحديد فكنت بالكاد أقوى على المشي, لكن هناك قوى خفية تأمرني بالتقدم.
شعرت أنني بحاجة إلى السجود, ولكن قبل أن أفعل ذلك هل أنا على طهارة, ترى أين كنت طوال هذه المدة, ولماذا اليوم أنا هنا؟
ضربت مقدمة رأسي بيدي أبحث عن ذاكرة مفقودة سلبت مني مع أول كأس قدمتهُ لي تلك الحسناء التي أسقتني بعد ذلك نعيمة شفتها التي لم تكن تبخل بها على أحد.
عُرفت بعد ذلك على قائدهم الذي وعدني بحور الدنيا والآخرة, أغدق علي بالعطايا حتى نسيت من أكون فلم أعد أتواصل مع أحد حتى أمي التي بنت على سفري هذا آمالاً كبيرة قطعت الاتصال بها منذُ بضعة أشهر.
لا أدري ما الذي حدث لي في تلك الحانة اللعينة التي أفقدتني ذاكرتي لدرجة أنني أصبحت آلة تنفيذ, تنفجر في أي مكان توجه لهُ.
كنت أتنفس بصعوبة شديدة, اقتربت مني امرأة كبيرة بالسن دفعت لي كوباً من الماء وهي تقول: ماذا بك يا ولدي؟.. أخذت تقرأ المعوذات وسورة الفاتحة, لأجد نفسي مثل طفل يجالس أمهُ وهي تعلمهُ يكيف يقرأ صغار السور القرآنية.
شعرت براحة كبيرة وأنا أردد وراءها, ثم دون وعي مني وجدت نفسي أقبل رأسها ويدها, انصرفت بعد ذلك بعيداً عنها حتى لا ترى الدموع التي ملأت عيني.
خرجت من بوابة المطار سمعت صوت جهازي النقال؛ إنها رسالة توجهني إلى السيارة التي يتوجب علي أن أستقلها حتى أتوجه إلى المكان المحدد.
وجدت رائحة غريبة تبدد الظلام الذي في داخلي, غيرت المسار تحت زخم الاتصالات المتواصلة التي لم أرد عليها, أوقفت سيارة أجرة طلبت من السائق أن يتوجه إلى حارتنا القديمة.
نقدتهُ أجرتهُ ثم ترجلت من السيارة, شعرت بألم قوي في قلبي, وضعت يدي على صدري سقطت على ركبتي, شعرت بعد ذلك بدوار فأفقت على أصوات صبية الحارة وهم ينادون علي: عيسى ماذا حل بك؟. رشفت قليلاً من الماء الذي أحضره فهد, سمعت بعد ذلك أصوات التصفيق والصفير فقد فزنا في المباراة وتأهلنا للمنافسة في دوري الحواري الرمضاني.
عدت إلى البيت فرحاً لا تسعني الكرة الأرضية من السعادة, أخبرت أمي بذلك الإنجاز الذي حققتهُ أنا وأعضاء الفريق, كنت مثل الطائر الذي لا يقف على غصن أثناء حديثي مع أمي التي لم تفارقني بسمتها وبركة دعائها.
أخبرتها أنني سوف أحقق أحلامي, وأصبح هداف الدوري, أمي كم أحلم أن أصبح في يوم من الأيام لاعباً متميزاً مثل ماجد عبدالله, أرفع اسم الوطن في جميع المحافل الدولية والعربية لكرة القدم.
سمعت صوت دوي قوي أخرجني من غيمة أحلامي, لمحت سحابة سوداء غطت سماء حارتنا،
فتعالت الأصوات مع صوت ذلك الانفجار, الجميع يركضون لمساعدة رجال الإطفاء, والشرطة التي طوقت المكان.
كنت واقفاً مثل طفل فقد طريق العودة إلى حضن أمهُ, تقدم مني جارنا ممسكاً بكتفي قائلاً: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنهُ عمل إرهابي يا ولدي، لقد فجروا المسجد والبيوت المجاورة لهُ, إنهم لا يخافون الله فقد ذهب نتيجة عملهم الكثير من الضحايا الأبرياء, فما هو الذنب الذي اقترفه هؤلاء الأطفال والنساء وكبار السن حتى تتفحم جثثهم بتلك الطريقة الخبيثة؟! رحمك الله يا أم عيسى كانت تنتظر عودة ولدها إلى الوطن.
** **
- مسعدة اليامي