الخيل والليل والبيداء تعرفنى
والسيف والرمح والقرطاسُ والقلم
لم يُفيدوك بشيء أبا الطيب، ولو أضفتَ (والسناب وتويتر والتيك توك) لكان أجدى لك..
لا أعلمُ هل ينزفُ قلمي حرقةً أم أنّه يلتزمُ الحياد عبر تفسير الواقع، وليس مستغرباً عندي أن تقرأ هذه الكلمات بعد الزفرات التي نفثها مجموعة من المثقفين والغيورين على الثقافة وعلى عمالقة الأدب نتيجة ما حدث في معرض الكتاب في الرياض.
ومدار الحديث عن سعر كتب المتنبي مقارنة بأحد الشعراء النبطيين.. ولمَ يحصل هذا؟ وبعيداً عن المثالية فالأسباب:
1- المتنبي وأمثاله من العمالقة ليسوا موجودين ليُشهروا أنفسهم عبر وسائل التواصل وإعلامنا الحالي لم يخدمهم، وبلا شك فهم غير قادرين على الرقص أمام الكاميرات أو «التميلح» بين فينة وأخرى لحصد المشاهدات. لذلك كتبهم أقل سعراً وقدراً في نظر الدهماء ودور القشر.. آسف النشر.
2- المتنبي وأمثاله.. مجرد تأريخ درَسَ الشعبُ منه شيئًا يسيرًا بطريقة (أهم شيء تنجح)، وشرح بعض قصائده معلمٌ ربما يلحنُ أكثر من أعجميٍّ للتو تعلم العربية. من الطبيعي جداً أن تكون النتيجة هي «شهرةُ شخصٍ عاديٍّ أقوى وأكبر من المتنبي»، فضلاً عن أن لغة الإعلام في عصرنا العجيب هي الكلام العامي في أغلب القنوات إن لم يكن كلّها، والاستضافات لكل مهرج وتافه لا تكون إلا لكل مهرجٍ وتافه، ولا أنسى حواري مع الأستاذ إبراهيم مفتاح حين سألته لمَ لا نراك كثيراً في الإعلام. قال متواضعاً -وبمعنى كلامه- أن القنوات تبحث عمّن لديه جمهورٌ يحقق مشاهداتٍ لهم...
3- سأضيف هنا أنه من الجيد أن الزحام على شاعر نبطي -ولو اختلفنا على جودة كتاباته- وليس ازدحاماً على تافه يضع صورته في كل صفحة ويكتب كلاماً تافهاً في الصفحة الثانية (بالمناسبة كتاب الشاعر الجهبذ الجديد وصل لهذه التفاهة).
4- قصائد المتنبي لا تستطيع -عزيزي القارئ- أن تضعها حين تصوّر كوب قهوة ومطرٍ وساعتك المميزة ناشراً إيها عبر برامج التواصل، لذلك لن يتمكّن المتنبي أن يجد زحاماً عليه في زاوية توقيع الكتب، ولن يحظى الموقّع معه بـ»سيلفي» يبقى معه مُرَّ الزمن.. أعتذر قصدت (مَرَّ)، بل إن المتنبي ليس لديه (سكسوكة)، بل تكسوه لحية مهيبة لا تشبه لحى الأعاجم المرسومة رسمًا عند حلّاق محترفٍ يحوّل الخروفَ إلى ذئب.
5- لو كان المتنبي يعيش في هذا الزمن ويقول نفس قصائده، ربما.. ربما.. ربما يفوز في مسابقة شعرية تلفزيونية ويحظى بقليل وهَجٍ ثم يختفي، فينقلب للعامية ويكتب (صباح النور والنوّير) فيشتهر فتشتمونه -أعضاء نادي وسم الثقافي ومعاشر المثقفين- وأنتم لا يعجبكم العجب وهو مجنون عظمةٍ كما نعلم.. بل ربما اتخذ مصوراً خاصاً يلاحقه في كل مكان وهو يلبس كل أنواع اللباس العربي والغربي والفضائي لكي يملأ كتابه.. مع أنني أعتقد أن كِرْشَهُ لن تخدمه في هذا.
6- لكنّي يراودي سؤال: هل العالم طبيعي أم أننا نعيش في زمن تخلّفنا عن ركبه؟ أم كما قال الروائي المميز علي الماجد: هناك من البلابل من حُبس في قفص ذهبي فرضخ للزمان.
هل رَضَخْنَا للزمان؟ أم رضَخنا الزمان؟
** **
- تركي آل الحارث