توجه سامي إلى مجمع الخبر التجاري، بعد يوم طويل أنهى خلاله أسبوعاً من دورةٍ تدريبيةٍ عنوانها «الإدارة الرشيقة». ركن سيارته ثم دخل المجمع، واشترى قلادةً ذهبيةً لزوجتهِ كذكرى مرور سنةٍ من الزواج. توجه بعد ذلك إلى طريق الملك عبد الله، فبدا على يساره برج الجامعة ليتذكر أيام دراسته في كلية الهندسة، ثم مركز إثراء ومعالم أرامكو التي كان يطمح للعمل فيها. انعطف بعد ذلك إلى محطة الغيوم، ليتزود بالوقود. كذلك اشترى كأس قهوةٍ كبير، مع قطعتين من البسكويت. ثبت جواله أمامه، واختار بثاً صوتياً لعبد الرحمن أبو مالك. وفي الطريق توالت الإشعارات بالوصول إلى جواله. أحدها من زوجته تخبره أنها ذهبت للمستشفى مع والدها. وأخرى من أخيه يبشره بخبر قبوله بالجامعة، وثالثة من والدته تسأل عن أحوال رحلته للمنطقة الشرقية، مع دعوة له بالتوفيق. انقضت الساعات سريعاً وقد وصل المذيع إلى ختام البث تزامناً مع وصول سامي للإشارة الضوئية القريبة من بيته.
الساعة تؤشر إلى منتصف الليل، ولم يكن يقف بجواره إلا سيارة واحدة، لوح السائق بيده وبادر بالتحية؛ إنه عدنان الذي يسكن في نفس الحي، وقد زامل سامي في المرحلة الثانوية، فتح سامي النافذة ورد التحية. المكان هادئ وأغلب المتاجر أغلقت أبوابها، والنعاس يكاد يغلبه. فجأة تأتيه ضربة مفاجئة من الخلف، من سيارة مسرعة لم يتنبه صاحبها للإشارة أمامه، أو أن النعاس قد غلبه كذلك. ارتد رأس سامي للخلف بسبب الضربة وارتخت معها رجله الضاغطة على الفرامل ثم تقدمت سيارته للأمام، فلم تمهلها ومضات ساهر. نزل عدنان بسرعة، فتح الباب من خلال النافذة المفتوحة وأوقف السيارة، حاول أيقاظ سامي لكنه لم يجد استجابة، فتواصل مع الإسعاف والمرور، واستكمل الإجراءات اللازمة. وبعد قدوم الإسعاف تبين أن سامي قد فارق الحياة فنقلوه للمستشفى لإكمال إجراءاته. أخذ عدنان جوال سامي، وأغراضه الشخصية. واستمرت الإشعارات تتوالى بالظهور على جوال سامي؛ رسالة من د. فيصل إدريس مدرب الدورة: أحييكم من مطار جدة، وأشكر لكم مشاركتكم؛ رسالة من المرور: «تم قيد مخالفة قطع إشارة»؛ رسالة من البنك: «تم إيداع الراتب»؛ رسالة أخرى من المرور: «نود إحاطتكم بأنه تم تسجيل حادث مروري على المركبة»؛ وكانت الرسالة الأخيرة من زوجته: «مبروك حبيبي سامي.. جالك بنت، تتربى بعزك».
** **
- د. عبد العزيز سليمان العبودي