عطية محمد عطية عقيلان
يقال دائمًا البدايات جميلة ولكن أصدق المواقف والكلام تأتي في النهايات، فالسؤال الذي يتبادر هنا، هل التغير في المواقف والنظر للأمور شيء طبيعي يمر به كل الناس، أم أن الثبات هو الأصل..!!، ولكل منا حكايته في تغير وتلون زميل أو صديق له حسب المصلحة والوضع المادي، وأحيانًا يكون بعد عشرة وزمالة بعشرات السنين، مع ادعائنا دومًا بالمظلومية وأننا الضحية في كل قصة وموقف وأحيانًا نكون نحن من تغير وتلوَّن. والتي تستوجب منا التدقيق وعدم تصديق كل ما يصل لنا، لأننا نعلم أن في بعض كلامنا أيضًا مبالغة وتبهير لكسب التعاطف والحق لصالحنا، وعلى مستوى العلاقات التجارية يتجلى ذلك في خلاف الشراكات أو الكيانات التجارية وانتهائها وتصفيتها بعد أن كانت ناجحة ولكنها فشلت وانتهت نتيجة وفاة مؤسس أو خلاف وتغيرت المواقف وساءت النوايا وفقدت البركة والتوفيق فيها، وهذه العلاقات تشبه إلى حد كبير -من وجهة نظري- عملية حفر بئر ماء نفرح في بدايته بتدفق الماء العذب الصافي بكميات والتي تمثل في الشراكات الأرباح وفي العلاقات معسول الكلام والمواقف الإيجابية والخدمات والمساندة، والتي نظن أنها أبدية ومتينة وقوية وراسخة، متناسين أن البئر واستمراره وضمانة عذوبة مائه وتدفقه تحتاج إلى رعاية وانتباه وترشيد في الاستهلاك، وصيانة دورية والحفاظ عليه من التلوث والضرر، فكذلك العلاقة في الشراكة والصداقة والزمالة تحتاج إلى مراجعة ومراقبة وصيانة وتغافل، مع تحديثها لضمان عدم انحرافها عن أهدافها، مع علاج الخلافات ووجهات النظر أولاً بأول لكي لا تتراكم ويصعب التعامل معها وإيجاد حل لها، وتطبيق مبدأ «الحسنات يذهبن السيئات». فعايشنا أو سمعنا عن شراكات وكيانات تجارية امتدت لعشرات السنين بين إخوان وأحيانًا بين أكثر من جيل عائلي ولكنها انتهت بخلافات شديدة وأُغلقت وسط تفكك وقطيعة في العلاقة، لذا تحفز الأنظمة الشركات العائلية لتتحول إلى شركات مساهمة لضمان استمرارها وديمومتها ووقوعها تحت نظام «الحوكمة» لاستمرارها ونموها وتطورها وضمان حقوق الجميع في هذا الكيان. وهناك تجارب عايشتها شخصيًا تدعو إلى الفخر وتحقيق النجاح والتحول من شركات عائلية أو مغلقة إلى شركات عامة ومساهمة، كما حدث من مبادرة ملاك شركة جرير عام 2000م وتحويلها إلى مغلقة ومن ثم عامة لتصبح صرحًا اقتصاديًا وعلامة تجارية ناجحة وجاذبة، وتوظف وتستقطب آلاف الشباب مع توفير التدريب والارتقء الوظيفي والبيئة الملائمة لهم، وأيضًا تجربة مجموعة الدكتور سليمان الحبيب في بداية عام 2020 وطرحها كشركة مساهمة لتنتقل إلى مرحلة أخرى تضمن توسعها واستمرارها وفق أنظمة وضوابط الحوكمة للشركات المساهمة، وهناك عشرات النماذج من هذه التحولات لكيانات عائلية أو شراكات بين أفراد شهدها السوق السعودي، وانتقالها إلى العمل المنظم وفق قوانين وضوابط شفافة وتحت أنظار المساهمين، وهذا ينعكس على ضمان استمرارها ككيانات اقتصادية قوية تسهم في نمو الاقتصاد المحلي ومتانته، وتوفر فرصًا حقيقية لجذب الشباب للعمل والتدريب والانضمام لها.
لذا عزيزي القارئ والمستثمر والمدير، لنتقي الله في كل مسؤولية نكلَّف بها ونؤديها بأمانة، بعيداً عن التبرير والتحليل لأنفسنا بأننا سبب النجاح ونستحق أن نغير ونبدل ونأخذ ما نريد لأن هذا تعبنا وإن كان مخالفًا للاتفاق الذي تم، ولنأخذ العبر والدروس بعدم الانخداع بالورع الظاهر لأنه ممكن أن يكون «هذا الورع كاذبًا»، متذكرًا قصة شراكة زملاء في مطعم وطلب المدير من الشركاء بعد مدة الإذن والسماح له وتحليله من نصف دجاجة يوميًا لأنه يعطيها لعمال النظافة ولا يريد أن يدخل ذمته أو يتصرف بشيء لا يعرفه الشركاء، وبعد سنين اكتشفوا أن نصف الدجاجة كان بداية الحبكة الدرامية لتعزيز أمانته التي أثبتت الأرقام والتصرفات زيفها، وكما يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه رأى رجلاً في السوق يحمل تمرة وينادي عليها صارخًا «لقد وجدت تمرة فمن صاحبها»؟ ولما رأى عمر أنه يفعل ذلك تظاهرًا بالورع، علاه بالدرة وقال له «دعك من هذا الورع الكاذب». فلتكن مخافة الله وأداء الأمانة والعقود والرقابة حاضرة دومًا من باب «دقق ولا تخن» لضمان استمرارها وفق الاتفاقات والشروط وعدم زيغها عن الحق ومعاملة الناس كما تحب أن يعاملوك، يقول الأديب الياباني هاروكي موراكامي «أحيانًا أفكر بأن قلوب الناس مثل الآبار العميقة لا أحد يستطيع أن يعرف ما في الأسفل، كل ما يمكنك فعله هو أن تتخيل ما الذي يطفو على السطح كل فترة».