د. عبدالحق عزوزي
سر التنمية في بعض الدول يكمن أولاً في العلم وبعد النظر، وثانيًا في العلم وبعد النظر وثالثًا وأخيرًا في العلم وبعد النظر. فاليابان دولة مساحتها محدودة جدة ولكنها تمثل ثاني اقتصاد العالم، ولا يخلو بيت من بيوتات العالم إلا وتجد آلة أو حاسوبًا أو هاتفًا صنع في هذا البلد؛ فاليابان عبارة عن مصنع كبير قائم على العلم وعلى الاستراتيجية الثاقبة في مجال الصناعات المتطورة والاستثمارات الواقعية، يستورد كل المواد الخامة لإنتاج مواد مصنعة تصدرها لكل أقطار العالم.
ونأخذ بلدة أوروبية وهي سويسرا، فعلى الرغم من عدم زراعتها للكاكاو فإنها تنتج وتصدر أفضل شوكولاتة في العالم؛ كما أنه رغم طبيعة جغرافيتها وضيق مساحتها الزراعية فإنها تنتج أهم منتجات الحليب في العالم.
كما أن دولا اليوم مثلاً مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وهي تملك العلم وبعد النظر في سياساتها العمومية تستثمر أكثر من أي وقت مضى في مجال الذكاء الصناعي؛ فالذي سيفوز في السباق على تقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي سيكون القائد في الاقتصادي العالمي، فالأمم ستصنع العالم على صورتها. فلهذا فهمت هذه الدول أن ربح رهان المستقبل قائم على الاستثمار في مجالات استراتيجية وعلى رأسها الذكاء الصناعي. ونحن في بلداننا العربية يجب أن نطرح سريعاً مسألة التخصصات ووظائف المستقبل في ظل التحولات المتسارعة وغير المسبوقة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وهي التي تثير بدورها العديد من التساؤلات حول مستقبل منظومة التعليم وعلاقتها بوظائف المستقبل، خاصة في ظل الدراسات التي تتوقع أن تحلّ الروبوتات والأجهزة الذكية مكان الإنسان في الكثير من مجالات الحياة والوظائف في السنوات المقبلة. فالدول التي ستتموضع أكثر في قائمة الدول الناجحة علمياً هي الدول التي ستنجح في تطوير القوى العاملة الوطنية وتعزيزها بشكل مستمر وبما يتناسب مع التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، ولاسيما في مجالات الاقتصاد المعرفي والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي. وهذا يستلزم تطوير البرامج والمناهج الدراسية اللازمة لتأهيل الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة؛ ولا بد في هذا السياق من تأهيل المعلمين والأكاديميين والاهتمام بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تصاحب عملية التغيير التكنولوجي.
ونحن نتحدث عن الذكاء الاصطناعي، نحيل هنا إلى تعريفه من طرف إحدى الأكاديميات، حيث جاء فيه:
* تمكين الآلات من معالجة المعلومات بشكل أقرب إلى طريقة الإنسان في حل المسائل، بمعنى آخر المعالجة المتوازية Parallel Processing حيث يتم تنفيذ عدة أوامر في نفس الوقت وهذا أقرب إلى طريقة الإنسان في حل المسائل.
* فهم أفضل لماهية الذكاء البشري عن طريق فك أغوار الدماغ حتى يمكن محاكاته، كما هو معروف أن الجهاز العصبي والدماغ البشري أكثر الأعضاء تعقيداً وهما يعملان بشكل مترابط ودائم في التعرف على الأشياء.
فمثلاً: للتعرف على صورة شخص عن طريق الكمبيوتر فلابد أولا من وجود ماسح ضوئي أو آلة تصوير.. حتى يتم مسح صورة الشخص نقطة نقطة، ثم إرسال هذه الصورة إلى جهاز الكمبيوتر ليقوم بمقارنة الصورة مع ما هو مخزون من معلومات، ولكن إذا هذا الشخص غيَّر ملامح وجهه ببعض الحركات، فربما لن يستطيع الكمبيوتر التعرف على هذه الصورة بعكس الإنسان.
ستكون المعايير التي نقدمها مرتبطة من جهة بأنواع الوسائل المراد حلها والتي تتطلب قدراً من الذكاء مثلاً ولكن ليس لها حل عام معروف، كما ستكون مرتبطة من ناحية أخرى بطرق المعالجة المنطقية المستخدمة والتي تعتمد على كل ما عُرف عن الذكاء الإنساني.
ولا غرو أن الثورة الصناعية الرابعة وما يرتبط بها من تطور تقني متسارع، ستؤثر في جميع دول العالم خلال السنوات المقبلة، خاصة فيما يتعلق باختفاء بعض الوظائف بسبب دخول الذكاء الاصطناعي والآلات المتعلمة واستخدام إنترنت الأشياء في العديد من المجالات..
ولكن المشكلة الكبرى في وطننا العربي أنه في ضوء التصاعد المستمر لمعدلات البطالة عربياً في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل والغنية (وصلت إلى 17.9 في المئة أو ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي)؛ فإن الحاجة تبرز إلى ربط حلول هذه الأزمات الخطيرة بنوعية التعليم ومخرجاته، وبالثقافة المجتمعية واعتماد منهج الإبداع والريادية وربطهما بالاستثمار، وبعلاقات الإنتاج وأساليب إدارتها، ومعالجة معوقات توطين التكنولوجيا، هنا يكمن الخلاص.