زكية إبراهيم الحجي
أطفال في بؤرة ضوء لحظية ونجومية تسلب سنوات الطفولة الطاهرة النقية.. أطفال في خطاهم يصغر الكون الكبير وفي ضحكاتهم سعادة من رحم البراءة.. في دفء أنفاسهم نُغمض أعيننا عن هموم الدنيا لنعيش عالماً جميلاً مر علينا نسترجع خلاله لحظات العفوية والبراءة رمز الطفولة وذلك حين يغفو العقل بعيداً عن الواقع الذي نعيشه.. ونعيد ما اختزنته الذاكرة من ذكرياتنا الجميلة أيام طفولتنا بطيشها وشقاوتها وبراءتِها وكل ما فيها دون أن نشعر بثقلها.. طفولة عفوية أبت أن تسمح للزمن أن يمحو آثارها فبقيت حكايات عالقة في مخيلتنا لم يخدشها أو يمحوها خريف العمر.. لله ما أجملها من ذكريات بصماتها ما زالت تحتضن عمق مشاعرنا نَحِنُ إليها ونتمنى أن يعود بنا الزمن إلى تلك الأيام الجميلة.. فكيف اختلف طفل اليوم عن طفل الأمس.
الحديث عن الاختلاف والتباين بين طفل اليوم وطفل الأمس يحتاج إلى صفحات وصفحات فما نسمعه من حديث في الجلسات العائلية ومن الآباء والأمهات وذوي الاختصاص في حقل التربية والتعليم يشير تماماً إلى صعوبة المقارنة بين طفل اليوم وطفل الأمس ويمكننا القول باختصار إن طفل الأمس كائن ينتمي لكل ما حوله ويتماهى فيه بل يكاد أن ينصهر مع أسرته وأقرانه ومجتمعه وبيئته التي تربى فيها على النقيض تماماً من طفل اليوم الذي يسيطر عليه حب الأنا.. لن أخوض أكثر في الحديث عن التباين بين طفل اليوم وطفل الأمس فما يهمني هنا هو جنون الشهرة التي اخترقت عالم طفل اليوم نتيجة الثورة التكنولوجية التي يشهدها عالم اليوم وطفرة شبكات التواصل الاجتماعي التي حظيت بشهرة واسعة وإقبال منقطع النظير من قبل جميع الفئات العمرية.. فإذا كانت مشاركة خصوصية الطفل أمراً جاذباً إلا أن الأمر وصل أبعد من ذلك بكثير أصبحنا نشاهد أطفالاً صغاراً غير مدركين أبهرهم عالم الأضواء فانتقلوا دون وعي لتبعات الشهرة إلى صفوف المشاهير وليت شهرتهم كانت لميزة إبداعية.
إن ما نراه من قنوات يتصدرها الأطفال على منصات التواصل الاجتماعي خاصة اليوتيوب لترويج منتج معين أو لتمرير مواقف تجعل من الطفل أضحوكة للآخرين أو استخدام الطفل للكسب المادي أو... ما هو إلا دليل على التناقض بين حقوق الطفل والجشع الذي يجعل من الشهرة والتكسب المادي غاية وهدف.. ولعل شهرة الأطفال التي بُنيت على خصوصية الحياة اليومية للطفل تضع الآباء والأمهات أمام سؤال أخلاقي عن مدى إدراكهم لما يحدث لأطفالهم وتأثير ذلك عليهم على المدى البعيد.. لكن ماذا لو تجاوز الآباء والأمهات كل ما سبق وتم التركيز على رغبة الإبداع والإنجاز الذي يمكن أن يرافق الطفل طيلة حياته أليست هذه الرغبة قد تقتلها مواقع التواصل الاجتماعي وتحولها إلى رغبة بجمع كم أكبر من المعجبين والمتابعين على حساب الحياة الواقعية.. لماذا نورث أطفالنا ما كان وبالاً عليهم ونجعلهم يعيشون في عالم لا يمت لعالم طفولتهم بصلة... عالم لا يكون الإنسان فيه مهماً إلا بازدياد عدد المتابعين والمعجبين!