م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- اللغة لدى المجتمعات البشرية ما هي سوى أداة تواصل وإفهام وتعبير.. لكنها في اللغة العربية تتجاوز كونها أداة تواصل إلى شيء آخر تماماً.. فهي أداة إعجاز ممثلاً في القرآن لكريم.. وهذا يعني أن اللغة العربية بالنسبة لنا تحمل معنىً مختلفاً ومغايراً لما تحمله للشعوب الأخرى.. فهي تعني المعنى ذاته وليست وسيلة لنقل المعنى فقط.. بمعنى أن اللغة العربية في عقولنا وفهمنا تتجاوز كونها وسيلة إلى أمر آخر جدير بالبحث والتقصي.. فاللغة العربية شيء خارج الطبيعة فهي ليست غريزة، بل هبة إلهية منفكة عن الغريزة.
2- إننا نتعلَّم اللغة العربية الفصحى كلغة أخرى ثانية غير لغتنا الأصلية.. فالفصحى هي لغة نخبوية بينما لغتنا الأصلية هي العامية لغة الحياة اليومية.. لذلك فإن معرفتنا باللغة الفصحى معرفة ناقصة مهزوزة وغالباً مسطحة المعنى والفهم.. يكفي أننا نعبر بها بلغة «مكسرة» أو لغة تستخدم للإضحاك والكوميديا.. ولم لا، أليست لغة ثانية؟
3- اللغة الفصحى بتقعر ألفاظها وعسر فهمها وغموضها.. وتقديمها للناس على أنها لغة سامية.. تمثِّل القيم العليا ولا يتقنها إلا النخب المثقفة وذوو النفوذ والمؤثّرين في حياة الناس.. فهي أداة التوجيه وهي وسيلة الخطاب الرسمية لأوامر السلطة والأيديولوجيا.. لذلك يواجه العامة صعوبة في تعلّمها.. وإذا تعلموها وجدوا صعوبة في النطق بها واستخدامها.
4- جعلنا اللغة الفصحى لغة متعالية.. فهي غير قادرة على التعبير المعاصر.. وتعجز عن الخوض في التفاصيل المعرفية الحديثة لأنها توقفت عن النمو منذ قرون.. ولبست لباس التقليدية ورفضت لغة العلم الحديث.. فأصبحت مجرد لغة تراثية لا غير.
5- أن تكون لنا لغة خالدة توقفت عن النمو وتجمدت وحل محلها لغتنا المحلية الخاصة بمفرداتها الحيَّة المتحركة المتداولة أوجد لنا حالة انفصام نفسي ومجتمعي بين لغتنا الأصلية واللغة الفصحى.. وربما لولا حفظ القرآن الكريم لها لكانت لغتنا العربية قد تفرعت إلى لغات كما حصل مع اللاتينية والجرمانية مثلاً.
6- اللغة الفصحى هي في المفهوم الاجتماعي العام لغة ذات أنماط ومدلولات توقف بها الزمان أكثر من ألف عام.. فهي لا تعنينا في حياتنا اليومية سوى تعابير ورموز وكليشهات محفوظة في المجال العام.. وأصبحت اللغة الفصحى منغلقة على نفسها محتفظة بأشكالها ودلالاتها النمطية التقليدية.. وتمثّل تياراً يرفض التغيير ويعادي المخالف لأهدافه ومعانيه.. حتى صار من سماته منع التجديد والإبداع، وتشجيع الحفظ والتكرار، وسيادة النص التراثي على المعاصر.
7- لقد حولنا لغتنا الفصحى إلى لغة المتاحف.