محمد سليمان العنقري
اعتراف مثير للاهتمام ما أعلنه بنك مورغان ستانلي الذي يعد من أكبر البنوك الاستثمارية عالمياً ويعد مؤشره للأسواق الناشئة ذا أهمية بالغة بتوجيه الاستثمارات الأجنبية للأسواق الناشئة، فقد قال البنك في تقرير صدر قبل أيام أن توصيته بخفض المراكز بالسوق السعودي التي أطلقها في شهر مايو من العام الماضي 2020 كانت خاطئة وقال إن مؤشر «إم اس سي آي السعودية» كان الأفضل أداءً بين الدول الرئيسية في العالم خلال العام الجاري ومن ضمن الأفضل خلال العام الماضي، مشيرًا إلى أن أسهم القطاع المالي والمواد الأساسية كانت الأفضل أداءً في مؤشر «MSCI» السعودية خلال العام الجاري. ومن الجدير ذكره أن هذا المؤشر انضم له سوق المال السعودي في العام 2019م وشكل بذلك أول وأكبر خطوات تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر للسوق بعد قرارات سابقة أتاحت الاستثمار الأجنبي من الخارج عبر أدوات وآليات ومنتجات مختلفة.
فمؤشر سوق الأسهم السعودي حقق ارتفاعات منذ بداية العام الحالي بلغت قرابة 35 بالمائة ومع هذا الأداء القوي أوصى البنك بزيادة المراكز بالسوق السعودي معتبراً أن التقييمات المرتفعة تدعمها أرباح تنمو بمعدلات مناسبة لجذب المزيد من الاستثمارات ولسنوات قادمة، وبالعودة للتقييم الخاطئ الذي اعترف به البنك فإنه من المستغرب أن تصدر عن بنك عريق ولديه خبرة هائلة بعالم أسواق المال والسلع ويدير أصول تريليونية ويمكن اعتباره من أهم صانعي الأسواق بالعالم فهل غابت عن محلليه ممن أصدروا تقريرهم في حينها ووضعوا توصيتهم بخفض المراكز العوامل الأساسية التي تدعم الاتجاه الصاعد للسوق السعودي الذي حقق خلال هذه المدة أي منذ عام وثلاثة شهور أكثر من 70 بالمائة من الارتفاع في مؤشر السوق رغم أن العوامل الأساسية التي تدعم ارتفاع الأسواق عموماً كانت موجودة من حيث خفض أسعار الفائدة لما يقارب الصفر وضخ البنوك المركزية للأموال سواء في المملكة أو بالأسواق العالمية بأحجام ضخمة فمجموعة العشرين كانت قد أقرت ضخ 11 تريليون دولار أميريكي بالأسواق ومعروف أن جزءاً منها يتجه لأسواق المال والسلع إضافة لإعلان المملكة عن مبادرة لاجتماع أعضاء أوبك + أكبر منتجي النفط بالعالم والذين كانوا قد اتخذوا أكبر قرار تاريخي لخفض الإنتاج مما أدى لعودة الأسعار في وقتها للارتفاع تدريجياً أي أن العديد من المعطيات كانت تؤيّد الرأي الذي يرى أن فرص ارتفاع السوق أعلى من استمراره بالتراجع وكل هذه المعطيات سبقت صدور تقريرهم في حينها.
فسوق الأسهم السعودية كان على موعد مع دورة رئيسية صاعدة قبل جائحة كورونا بدعم من البدء بتنفيذ برامج ومبادرات رؤية 2030م والتي سيكون للقطاع المالي دور رئيسي بتمويلها ويعد السوق المالي إحدى ركائز قنوات التمويل عبر الإدراجات ورفع رؤوس الأموال للشركات وأيضاً طرح الصكوك مما يجذب الاستثمارات للسوق يضاف لذلك أن الاتجاه كان لخفض أسعار الفائدة من أغلب البنوك المركزية بالعالم وخصوصًا الفيدرالي الأمريكي تجنباً لاحتمال حدوث ركود اقتصادي الذي كانت هناك بوادر لوقوعه وعندما وقعت جائحة كورونا رغم أنها تسببت بانهيار الأسواق عالمياً وبركود اقتصادي واسع لكن ردة الفعل الدولية من أكبر الاقتصادات بالعالم والمسارعة لاحتواء الأزمة وما أعقبها من سرعة باعتماد والبدء بإعطاء اللقاحات أعطى زخمًا إضافيًا لتدفق الاستثمارات لأسواق المال ومن بينها السوق السعودي الذي حقق ارتفاعات ممتازة وبأعلى من التوقعات فالمستثمرون بالسوق ينظرون للمستقبل والذي ما زالت تدعم الإيجابية فيه العوامل الأساسية نفسها يُضاف لها وصول سعر برميل برنت إلى 85 دولارًا وإطلاق المملكة للعديد من الإستراتيجيات والبرامج الداعمة للنمو الاقتصادي كان آخرها الإستراتيجية الوطنية للاستثمار التي تهدف لضخ استثمارات بحوالي 12 تريليون ريال حتى العام 2030 بالإضافة لإنفاق حكومي عبر الموازنات السنوية بعشرة تريليونات ريال لنفس المدة وأيضاً إنفاق المستهلكين المقدر بحوالي خمسة تريليونات ريال ليكون المجموع الكلي للإنفاق والاستثمار عند 27 تريليون ريال فمثل هذه التدفقات الضخمة والتي لو تحقق منها أعلى نسبة ممكنة خصوصاً ما يتعلّق بالاستثمار كفيلة بدعم النمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة بالإضافة لما أعلنته وزارة المالية بالبيان التمهيدي للميزانية القادمة والذي جاء فيه توقّع تحقيق نمو اقتصادي بالعام القادم 2022 بمقدار 7.5 بالمائة وهو معدل مرتفع مما يدعم التوجه للاستثمار بالسوق المالي لسنوات طويلة قادمة.
تقرير مورغان ستانلي أعطى مؤشرات واضحة عن النظرة لمستقبل توجهات السوق المالي السعودي لسنوات قادمة مع عدم إغفال أن الأسواق تحتاج بين فترة وأخرى لجني أرباح لاستعادة الزخم وإعادة توزيع المراكز من قبل المحافظ الكبرى كالصناديق ومؤسسات الاستثمار إضافة لضرورة متابعة العوامل الأساسية الإستراتيجية التي تعد هي المحفز لارتفاع الأسواق من معدلات النمو الاقتصادي محليًا وعالميًا إلى أسعار الفائدة وحجم المعروض النقدي وبقية العوامل الأساسية كأسعار النفط وكذلك تحليل قطاعات السوق حتى يكون لدى المستثمر القدرة على اتخاذ القرار الاستثماري المناسب.