عبدالوهاب الفايز
لماذا نطرح الحاجة لقيام هيئة وطنية لكبار السن؟
إن هذه الشريحة العمرية في التركيبة السكانية تصل إلى مليون إنسان، والحكومة تقدم الآن أكثر من 500 خدمة لكبار السن، تشكل 80 في المئة من مجموع الخدمات المقدمة، و70 في المئة من هذه الخدمات مقررة في الأنظمة واللوائح التنفيذية.
إذن، نحتاج هذا الجهاز المتخصص لـ(تفعيل وتنفيذ) الاستراتيجيات والخطط والمبادرات الوطنية على اختلاف مصادرها لتعزيز الخدمات والعناية والرعاية التي يحتاج إليها كبار السن في المملكة.
إذًا نحن نستلهم آليات عمل القطاع الخاص، فالمجموعات التجارية الكبرى اتجهت في السنوات الأخيرة إلى إنشاء إدارات متخصصة ومتفرغة لتنفيذ الاستراتيجيات. هذه الممارسة الجديدة جاءت بعدما اتضح وجود الكثير من الاستراتيجيات في الأدراج، وغير منفذة لغياب الجهة المركزية المكلفة بمتابعة تنفيذ وتسويق وإيصال الأهداف، والعمل على تذليل عقبات التنفيذ عبر الرصد والمتابعة والتواصل مع أصحاب القرار لإطلاعهم بشكلٍ دوري على مدى تنفيذ الاستراتيجية.
نحتاج إلى هذه الهيئة لتقوم بهذا الدور. وفي هذا مكسب وطني. العناية الفعالة والشاملة بالمسنين تؤخذ كمؤشر لقياس مدى النضج الإنساني والحضاري للشعوب. ثم لدينا ما نتطلع إلى البناء عليه. ففي العقود الماضية حققنا نجاحاً في مجال الرعاية الصحية، فمعدّل أعمار السعوديين وصل إلى 77 سنة عام 2020. والبرامج الحكومية المختلفة تستهدف زيادة عمر المواطن السعودي إلى سن 80 مع حلول عام 2030.
هذه المكتسبات يقابلها تحديات عديدة ما زالت قائمة في أوضاع كبار السن رصدتها مصادر عدة، منها دراسة جمعية (وقار) الخيرية المتخصصة بخدمة ورعاية كبار السن. في دراستها وجدت قصوراً كبيراً (في الخدمات المقدمة لكبار السن من حيث الكم والكيف). كما وجدت خلطاً واضحاً بين مفهوم خدمات المسنين وكبار السن، (فخدمات كبار السن مرتبطة عالميًّا بالفئة السنية (60) سنة فأكثر، بغض النظر عن وضعهم الصحي، بينما المفهوم السائد في المملكة عن خدمات كبار السن يرتبط بصورة مباشرة بالمسنين أو من هم في مرحلة الشيخوخة أو مصابون بأمراض الشيخوخة، أو غير القادرين على الحركة الطبيعية). تقول الجمعية في دراستها: (إن حجم ونوعية الخدمات المقدمة لكبار السن بالمملكة لا ترتقي إلى المستوى المنشود من جمعية وقار ولا تتناسب مع حجم ومكانة المملكة إقليميًّا وعالميًّا في مجالات حقوق المواطنين من الخدمات المقدمة لهم).
أيضًا من التحديات ضرورة التوسع في الخدمات إلى جميع مناطق المملكة. الآن تتركز أكثر من 44 % من الجهات التي تقدم خدمات كبار السن في ثلاث مناطق إدارية فقط، هي: (الرياض، مكة المكرمة، المنطقة الشرقية). هذا خلل في مؤشرات التنمية.
أيضًا نحتاج إلى معرفة بدقة مدى توفر الخدمات بالنوعية والجودة التي نتطلع إليها. هذا يحققه التوسع في المسح الميداني الشامل لمناطق المملكة كافة، ومواصلة حصر الخدمات المقدمة لكبار السن من القطاعات المختلفة الحكومية والخاصة والخيرية لجمعها في قاعدة بيانات تسهل معرفة الخدمات المتوفرة وأماكنها لكبار السن وذويهم، ومدى توفرها في المجالات الخمس الرئيسية وهي الخدمات التعليمية والتدريبية، والصحية، والاجتماعية، والمكانية واللوجستية، وخدمات المساعدات المادية والعينية. استكمال إنشاء قاعدة البيانات الوطنية هذه تحدٍّ رئيسي، فهي عامل مهم يساعد على توحيد الجهود والتكامل بين القطاعات الحكومية، وتوقف تشتيت الجهود والموارد المالية.
الجهود الحكومية لتحسين خدمات رعاية كبار السن ما زالت تتوسع عبر تقديم المبادرات المختلفة في مجالات الرعاية الصحية، والتوسع في دور الرعاية الاجتماعية والنفسية، مع التوجه لدعم الأندية الترفيهية والثقافية لكبار السن. نحتاج إلى معالجة البيئة العمرانية لتسهيل الحركة في الأماكن العامة وفي المساجد وفي وسائل النقل العام حتى تكون المدن صديقة لكبار السن. نحتاج إلى تفعيل المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة بخدمة كبار السن. ونحتاج إلى توحيد جهود القطاع الثالث وتفعيل الأوقاف.
هناك العديد من الخدمات التي أطلقتها وزارة الصحة والمخصصة لكبار السن، وهناك (خدمة تقدير) التي أطلقتها الأحوال المدنية للمسنين. ونحن بانتظار بطاقة صحية للمسنين حتى تساعدهم والقائمين على علاجهم ومتابعتهم حيثما يكونون داخل المملكة وخارجها.
كيف نعرف أننا ننجح على جبهة خدمة ورعاية كبار السن؟ ننجح إذا أصبح النظام (مبادرًا) إلى تقديم الخدمات. أي في اليوم الذي يبلغ الشخص فيه سن الستين أو أكثر من ذلك يصبح ابن النظام. في اليوم الأول من بلوغ السن المحددة يتم تفعيل ملف خدماته الصحية والاجتماعية، وجميع ما هو مقرر له من حقوق وخدمات نظامية، ويصبح له مدير حالة، يتبنى متابعة كل ما يحتاج إليه.
هذا الهدف الوطني الإنساني لخدمة كبار السن يستحق جهازًا حكوميًّا، له هيبته السياسية والنظامية، يتولى تحقيق إرادة الدولة، وتفعيل خدماتها لهذه الشريحة من مواطنيها. النجاح على هذه الجبهة يبرز الوجه الحقيقي الإنساني لبلادنا، والأهم أنه يهيئ لنا البركة في أعمالنا، والنصرة لبلادنا. ألم يقل النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ».