د. تنيضب الفايدي
الفراغ قاتل ومضيع، يضيع فيه الإنسان إذا لم يستغله في أعمال صحيحة، فعلينا الاهتمام بكل ثانية من أوقاتنا حيث لا تضيع فيما لا يرضى الله عز وجل، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على اغتنام الفراغ حيث قال: «اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك» أخرجه الحاكم. والفراغ والغنى يعدان من أهم المصادر للقلق وضياع الإنسان وتعدّد مشاكله وكثرة أخطائه (ذنوبه)، قال الشاعر:
إن الفراغ والشباب والجِدَة
مفسدة للمرء أي مفسدة
وتلك المشكلات والأخطاء الناجمة من الفراغ والغنى يتذكرها الإنسان إذا تقدم في السن وتكون مصدر إزعاج وقلق (إن كان لديه ضمير حيٌّ) ويشعر بأنه فرّط في حق نفسه.
ومن تأمل واقع الناس يعرف أنهم منقسمون في اغتنام الوقت إلى عدة أقسام: فقسم كبير من الناس لا يشعر بأهمية الوقت ولا يدرك خطورة إضاعته والتفريط فيه، وقسم ثانٍ يعرف أهمية الوقت وقيمة الزمن لكنه مصاب بالفتور والكسل عن اغتنام وقته، فهمته لحفظ أنفاسه في الطاعات قد ماتت، وقسم ثالث يعرف أهمية الوقت وقيمة العمر ولديه همة ورغبة في استغلاله ولكنه لا يعرف كيف يحول هذه الهمة والحماسة إلى واقع عملي مؤثر! لا يدري أين يصرف وقته وكيف يقضيه! فإلى كل هؤلاء نهدي بعضاً من الطرق لحفظ الوقت لأننا بكل أسف في زمان لاح للعاقل تغيره وظهر للبيت تبدله بعد أن يبس ضرعه بعد الغزارة وذبل فرعه بعد النضارة، ونحل عوده بعد الرطوبة وبشع مذاقه بعد العذوبة، فيا لهفتنا على زمان يلتمس فيه الحافظون أوقاتهم، فلا تكاد ترى منهم أحداً.
يقول ابن القيم رحمه الله: «وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم وهو يمر مرّ السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه عيشة البهائم فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خيراً ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خيرٌ له من حياته.
ويقول في موضع آخر في بيان أهمية الوقت: «إن إضاعة الوقت أشد وأفظع من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، وأما الموت فيقطعك عن الدنيا وأهلها».
ولو أننا سألنا كلاً من روكفلر، وفورد، وكارنيجي، وفندربلت، وهرست، ومورغان، وبفربروك (كلهم أثرياء) عن شعاره الذي كان له أكبر أثر في تكوين ثروته الضخمة، لأجابك على الفور: «الوقت من ذهب».
ولو أنك وجهت السؤال نفسه إلى كبار العلماء والسياسيين، والقواد والمخترعين والمكتشفين، وكل من شق طريقه في الحياة صعوداً إلى ذروة النجاح؛ لأجابك بلا تردد: «الوقت من ذهب». أفلا نعجب بعد ذلك أن نرى الملايين جلوساً في المقاهي طيلة أوقات الفراغ.