د. عيد بن مسعود الجهني
منظمة (أوبك) التي تسيطر على 81.89 في المئة من الاحتياطي النفطي المثبت عالمياً، وجدت عبر تاريخها أن التحكم في حجم الإنتاج زيادةً أو خفضاً هو السلاح الأنجع لضمان عدم هبوط الأسعار.
بينما ترد وكالة الطاقة الدولية على ذلك بأساليب الترشيد في استهلاك النفط وشهر سلاح المخزون الاحتياطي إذا دعت الضرورة وفرض الضرائب الداخلية على استخدام الطاقة، إلى جانب نشاطها في البحث والتنقيب وإيجاد مصادر بديلة على نحو يضمن لها استمرار إمدادها بالنفط الرخيص هذا في سنوات ارتفاع الأسعار الذي بدأت مسيرته في رمضان المبارك - أكتوبر 1973م.
وقد مثلت شرارة ثورة الخميني والحرب العراقية - الإيرانية شعلة ارتفاع الأسعار الثانية التي أضاءت الطريق لعصر إمبراطورية «الأوبك» الذهبي، عندما بلغ سعر برميل النفط ما بين 1979 - 1981 (40) دولارًا للبرميل.
بعد ذلك الارتفاع الصاروخي للأسعار بدأت مسيرة الهبوط لتبلغ (7) دولارات للبرميل في أواسط الثمانينيات وتبقى هكذا لينتشل الغزو العراقي لدولة الكويت في أغسطس 1990 الأسعار من الهاوية فرفعها من 12 دولاراً إلى حوالي 36 دولاراً، لكنها عادت إلى الانحدار بعد توقف العاصفة التي هبت على العراق آنذاك لتصل إلى 13.5 دولاراً للبرميل عام 1994، بل إنها انحدرت إلى أقل من 10 دولارات في أوائل عام 1998 لتستمر على هذا المنوال حتى غروب شمس القرن المنصرم.
وقد جاءت النقلة الكبرى لأسعار النفط مع حرب احتلال العراق، لتشتعل أزمة الأسعار التي أخذت مسيرتها التصاعدية متفاعلة مع أسبابها، وفي مقدمها الصراعات والنزاعات والحروب الدولية والتضخم والعوامل الموسمية والمضاربات وانخفاض سعر صرف الدولار الأميركي الذي يسعر به النفط، أمام العملات الدولية.
وبقي حال الأسعار مرتفعاً منذ 2003 حتى كسر حاجز 147 دولار للبرميل قبل أزمة الكساد العالمي عام 2008 لتعود الأسعار إلى الانحدار مرة أخرى لتبلغ 33 دولارًا للبرميل، الأمر الذي أجبر الأوبك على تخفيض إنتاجها المرة تلو الأخرى لتحقيق سعر عادل لنفوطها، بل إنها من أجل تحقيق هذا الهدف سعت إلى انضمام دول أخرى منتجة للنفط لضمان المرونة بين العرض والطلب وتحقيق سعر عادل، ومع ذلك التعاون استطاعت الأوبك في عام 2018 وتحديداً في شهر أكتوبر من ذلك العام أن تحقق سعراً كسر حاجز الـ86 دولارًا قبل أن يعود مرة أخرى إلى التراجع ليبلغ 50 دولارًا.
والمتابع لتطورات أسعار الذهب الأسود ومستقبلها خاصة بعد أن اتحد المستقلين من الدول المنتجة خارج الأوبك مع المنظمة ليشكلوا نادياً نفطياً ضخماً استطاع أن يعيد للسوق استقرارها.
وفي ظل ما شهدته السوق البترولية من رغبة من كل اللاعبين في هذا السوق منتجين ومستهلكين هدفها سوق نفطية مستقرة تخدم مصالح الجميع ضمن أسعار عادلة بين (65 و75) دولارًا للبرميل.
لكن هبوب عاصفة (الجائحة) الكبرى تعدت تأثيرات حدود خطرها على البشر إلى تهديدها المباشر لاقتصاد العالم بكل قاراته.
ومن تلك السلع النفط كان سعره قبل (الجائحة) دون السبعين دولارًا للبرميل أقل من السعر الذي تستهدفه (الأوبك) والمتعاونين معها.
ومع الانخفاض الكبير للطلب على النفط هوى سعر برميل النفط الأمريكي (نفط غرب تكساس) بتاريخ 21 أبريل 2020م إلى ما دون الصفر، لتحوز تلك الليلة لقب (ليلة سقوط النفط).
ولانتشال السوق من الهاوية سارعت الأوبك والمتعاونين معها (23 دولة) إلى تخفيض إنتاجهم (9.7) ملاين ب/ي اعتباراً من شهر مايو 2020م لدعم سوق النفط الدولية لتحقيق سعر مقبول.
ومع بزوغ شمس أوائل 2021م خفضت أوبك وحلفاؤها الإنتاج بواقع (5.8) مليون ب/ي، ومن جانبها قامت السعودية بتخفيض طوعي بحدود (1) مليون ب/ي وبذا يصبح الإنتاج العالمي (90) بدلاً من (100) مليون ب/ي قبل الجائحة.
ناهيك أن النفط الأمريكي في ولاية تكساس انخفض بحوالي (4) ملايين ب/ي من طاقتها التكريرية، إضافة إلى حوالي مليون ب/ي من إنتاج النفط، إضافة إلى أن الإنتاج الإيراني كان غائباً إلى حد كبير، والليبي هو الآخر كان ينطبق عليه نفس القول ومعه الإنتاج الفنزويلي للاضطرابات في ذلك البلد، كل هذه الأسباب مدعومة بقرارات أوبك وحلفائها انتشلت أسعار النفط بعد سقوطها المدوي.
وهنا كسر سعر خام برنت 30 دولارًا وغرب تكساس 25 دولارًا للبرميل، وقد استمر السعر بالارتفاع ليكسر خام برنت 41 دولارًا في تاريخ 4 يونيو 2020م وخام تكساس الخفيف كسر حاجز (38) دولارًا للبرميل بعد أن كان قد تدنى لأقل من (الصفر)، واستمرت معادلة ارتفاع الأسعار فقبل غروب شمس شهر يونيو 2020 وتحديدًا في الثالث والعشرين منه صعد السعر ليكسر خام برنت حاجز الـ43 دولارًا وغرب تكساس حوالي الـ40 دولاراً للبرميل.
وبعد شد وجذب في الأشهر الأخيرة من عام 2021 استطاعت الأوبك والمتعاونين معها ضخ 400 ألف ب/ي اعتبارًا من شهر يونيو 2021.
وقد استمرت الأسعار في الصعود المحسوب لتبلغ 65 دولاراً، بل كسرت حاجز الـ75 دولارًا قبل أن تتدنى قليلاً، وفي شهر سبتمبر 2021 كسرت حاجز الـ80 دولاراً، واستمر زحف الأسعار ليكسر حاجز 86 دولاراً هذا الشهر.
ونعتقد أن نمو الطلب على هذه السلعة النفيسة قاب قوسين، وسيبلغ الإنتاج الـ (100) مليون ب/ي في المستقبل القريب، بل إن غروب شمس الجائحة إذا حدثت السيطرة على عنفوانه فإن نتيجته الحتمية زيادة الطلب على النفط وارتفاع أسعاره.
وبهذا يمكن القول إن أسعار النفط أخذت طريقها إلى الاستقرار الحذر، وهي (الأسعار) قد تبلغ عتبة الـ(100) دولار للبرميل في المستقبل القريب في ظل تعاون الأوبك وحلفائها الذين أثبتوا جميعاً خلال السنوات السوداء على النفط الماضية أنهم (قوة) نفطية من الصعب كسر عنفوانها، بل من الأفضل تعاون المستهلكين معها لخلق سوق نفطية دولية مستقرة تدعم سعر عادل للمنتجين والمستهلكين.
ويبقى القول إن النفط وأسعاره وإنتاجه ينتظرها مستقبل مضيء فالطلب عليه سينمو بعد غروب الجائحة وإنتاجه كذلك، أما الأسعار فهي الأخرى سيكون تحسنها ارتفاعًا في ظل استمرار الحلف النفطي متحدا أمرًا مسلمًا به.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة