سليم السوطاني
تشهدُ الساحة الفنية السعودية - تحديداً في مجال الأغنية - صراعاً شديداً بين جماهير قطبي الأغنية السعودية؛ الفنان محمد عبده، والفنان طلال مداح.
فكل جمهور قطب يدافع عن مطربه، ويعدّه الأفضل وأنه عراب الأغنية السعودية.
وما سأطرحه في هذه المقالة بعيد كل البعد عن المقارنة بين هذين العملاقين؛ فالأذن «السميّعة» - كما يقول أهل الفن - تلزم الحياد وتقف على مسافة واحدة من الفنانَين وما قدماه للأغنية السعودية.
لا أحد ينكر أن «مداح» و«عبده» خرجا بالأغنية السعودية إلى الوطن العربي وأسهما في انتشارها، فهما عينان في رأس الأغنية السعودية.
عندما بدأت في البحث عن أصل الأغنية السعودية ونشأتها من أين؟ ومن روادها؟ وجدتُ شحاً شديداً في المعلومات، وحتى على صعيد الإعلام المهتم بالفن السعودي لا توجد مواد أرشيفية أو مقالات قد يعود إليها الباحث ليتحدث عن البدايات.
كانت كل الصحافة الفنية تقتصر على أخبار الفنانين الموجودين في الساحة، والترويج لأعمالهم؛ إما لمحبة وصداقة تربطهم بالوسط الفني، وإما للاهتمام بالساحة الفنية وطرح كل جديد.
لم أجد مادة تسهب في الحديث عن بداية الفن في الجزيرة العربية وبداية الأغنية السعودية والمكان الذي بدأت وانطلقت منه.
ومحبو الأغنية بدأ تواصلهم معها من خلال الأسطوانات ثم الأشرطة (الكاسيت)، حتى أتى «يوتيوب» الذي أصبح أشبه بالمكتبة يحفظ أعمال المبدعين في أي مجال.
إن فن «مداح» و«عبده» ليس طفرة، فهما لم يهبطا من كوكب آخر، والأكيد أنهما امتداد لعمالقة سبقوهما وتأثروا بلونهما الطربي ونهلوا من فنهما وتراثهما.
وهنا أطرح رأياً ووجهة نظر في هذا الجانب، أشير فيه إلى أن بداية الأغنية السعودية جاءت من البيئة الحجازية واحتكاك سكانها بالثقافات المختلفة التي كانت تفد إليها من كل مكان، والمكان الآخر الذي نشأت فيه الأغنية هو المدن القريبة من السواحل والشواطئ، من خلال موالات وأغاني الصيادين.
أما المكان الثالث، الذي نشأت فيه الألحان، فيتوزع بين الجبال والأودية والبادية الصحراوية من خلال حداء الرعاة.
كل هذه الأجواء كان للمكان دوره البارز في الإسهام في النشأة، وكذلك لا نغفل «الفلوكلورات» الشعبية؛ من «سامري» و«هجيني» و«خبيتي» و«عرضة»... إلخ، فكل هذه الظروف كانت مؤثرة ومساهمة في نشأة الأغنية السعودية.
وهنا أتساءل، وأوجه السؤال إلى محبي الطرب، وخصوصاً الإعلاميين المهتمين بهذا الجانب؛ أين هم عن محمد علي سندي، الذي اشتهر بـ«الدانة» الحجازية؟
أينكم من إرث فوزي محسون، وعبد الله محمد، وطارق عبد الحكيم… والقائمة تطول، ولم يسعفنا «يوتيوب» إلا بتسجيلات رديئة لإرث هؤلاء الرواد.
سيأتي جيل بعدنا، وتتعاقب أجيال، وسوف يعتقدون أن نشأة الأغنية بدأت من طلال مداح ومحمد عبده، وأنهما بداية الفن السعودي، وتُهضم حقوق كل الرواد والبداية التي كانت أشبه بالذي ينحت في الصخر، وقد خرجوا بهوية وأسلوب ملائمين لطبيعة وتضاريس المملكة، من صحراء وجبال وسهول وأودية وشواطئ.
الفن هو الذي يعكس روح المكان، سواء في الحجاز أم الساحل أم الجبال.
إن كل ما أرجوه أن يوجد عندنا باحثون متخصصون في هذا المجال، فيقدموا لنا معلومات مدعمة بالوثائق، من خلال توثيقات وتسجيلات تُقدم لنا بداية الأغنية السعودية.
كما أن من واجب وزارة الثقافة الاهتمام بهذا الشأن وتقديم أفكار تصب في هذا الجانب، مثلاً: من خلال إعادة غناء أشهر الأغاني لهؤلاء العمالقة، وتقديمها بشكل مختلف وبتسجيل مطور، لتكون مرجعاً للملحنين؛ لمن يريد أن يستنسخ أو يخرج بفكرة جديدة للحن من خلال الألوان القديمة.
والطرب -عموماً- يعتمد على ما خلّده الموتى أكثر مما قُدِم من الأحياء، والدليل أن الذائقة الطربية مازالت متمسكة بما قدمته السيدة أم كلثوم، وعبد الحليم وأمثالهما...
فلنخرج الكنوز القديمة بشكل جديد ومختلف، ونعزز هوية الأغنية السعودية الأصيلة.