د. تنيضب الفايدي
تعوّد الباحث على رصد أماكن لها علاقة بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي بعض المواقع السياحية يمكن زيارتها في يوم واحد، فبعد أن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر في الغزوة التي حدثت في العام السابع للهجرة، قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله عزوجل بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك، فقبل ذلك منهم وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة؛ لأنه لم يوجف عليها خيل ولا ركاب.
وخيبر وفدك بينهما تشابه كبير في المقومات السياحية ولاسيّما الحصون والحرار، والجبال الملونة، والجبال المجوفة، وأطول الكهوف ولاسيما في العالم العربي، والعيون الجارية، وكذا وجود التشابه الكبير في ملامح سكانهما وبيئتهما من طبيعة ساحرة من جبال وأودية، وتكوينات صخرية رائعة، ونقوش وكتابات ورسومات قديمة والاعتماد على زراعة النخيل، ويمكن للسائح جمع الزيارات بين تلك الأماكن السياحية في يوم واحد.
ففي خيبر وكذا فدك تشعر وأنت تتجول بين آثارها ومآثرها بأنك تمشي على (بصمات) التاريخ.. وفيما يلي بعض مقومات السياحية الموجودة فيهما.
الحصون
يوجد في مدينة خيبر بقايا الحصون الشهيرة واعتبرها الكاتب كنوزاً لا تقدر بثمن وجميعها في حاجة إلى إعادة ترميم وحماية. ومن أشهر تلك الحصون: حصن ناعم، حصن الصعب بن معاذ، قلعة أبي، حصن السلالم، حصن النزار، حصن القموص، حصن الوطيح.
الكهوف التابعة لمحافظة خيبر:
غار خفس (أم جرسان)
من المقومات السياحية في خيبر وجود غار يسمى غار خفس (أم جرسان) وتوجد فتحة واحدة في الأعلى عمقها ( 12 متراً ) تقريباً ويتفرع الغار إلى قسمين: الغار الأول طوله ( 900م ) وله مخرج في نهايته والغار الثاني طوله 600م وليس له مخرج فيشكلان غاراً واحداً طوله ( 1500م ).
وكهف أم جرسان كهف عظيم وامتداده من الشرق نحو الغرب حيث الانخفاض جهة الغرب ويقع كهف أمر جرسان في حرة بني رشيد (شرق خيبر)، ويعد هذا الكهف من أطول الكهوف في الوطن العربي حيث يصل طوله إلى ( 1500 ) متر وأقصى عرض له هو 45 متراً وأقصى ارتفاع 25 متراً، وقبل اكتشاف هذا الكهف كان كهف حرة الشام الموجود شمال شرق الأردن أكبر كهف في الوطن العربي حيث يبلغ طوله 922 متراً، وتكوين الكهف جاء عن نتيجة انفجار بركاني وسيلان الحمم البركانية المنصهرة، الأمر الذي شكل ممراً شبيهاً بالممرات التي تسلكها الحمم البركانية المنصهرة، وتشير الدراسات إلى أنه يحتوي على عظام لحيوان البقر الوحشي الذي انقرض منذ ثمانية آلاف سنة، كما أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية أن الكهف يحتوي بداخله على موجودات أثرية من جماجم بشرية وعظام لحيوانات مفترسة وكتابات يعود تاريخها لآلاف السنين. وبقايا هذه الحيوانات أصبحت داخل الغار محنطة طبيعياً نتيجة وجودها داخل الأجواء الطبيعية في الكهف.
كهف أم حشيوي
يعتقد أن هذا الكهف من أطول الدحول بالجزيرة العربية وقد يكون الأطول بالعالم العربي، وهو تحفة طبيعية قد يجذب السياح الجيولوجيين ومحبي البحث والمغامرة والاكتشاف.
يسمى الكهف باسم كهف أم حشيوي نسبة للشعيب القريب منه ويقع في حرة خيبر شمال المدينة المنورة التي تعتبر أكثر الحرات التي تتوفر فيها الكهوف البركانية أو ما يسمى بالأنابيب البركانية أو كما يسميها أهل المنطقة (الدحول) ويحتوي الكهف على عدة مداخل، يبلغ طوله تقريبا 3 كم أو أكثر ويعتبر حالياً أطول كهف في السعودية، ارتفاعه ما بين 20 - 25 متراً، وعرضه ما بين 10 - 15 متراً.
جبال خيبر
الرأس الأبيض، البيضاء، القِدْر، القدير
ضمن مجموعة من عشر صور تعتبر من أفضل الصور التي التقطتها وكالة ناسا من مناطق مختلفة من الكرة الأرضية (موجودة في موقعها) وقد قالت المعلِّقة (المعرِّفة بالصور) في تعريفها للرأس الأبيض والبيضاء والقدر والقدير: هل نحن في كوكب الأرض أم على كوكب آخر، أما الكاتب فعندما وقف على الواقع الميداني رفع صوته قائلاً: سبحان الله، واحتار في وصفها. ولكن يقرّبها للقراء.
الرأس الأبيض: جبلٌ رأسه أبيض يحيط بقمته ما يشبه (لفة الشال الأبيض حول الرأس) وقد حدث له بركان أفرغه من الداخل فأصبح شكله يشبه البئر الكبيرة إذا وقفت على قمته وهو جبلٌ أجوف أي: أن جميع ما بداخله خرج منه على شكل سيول منصهرة إلى مسافات بعيدة وقد تجمدت تلك المنصهرات مثل الحرار ولكن لونها أبيض (فسبحان الخالق).
البيضاء
ينطبق عليها ما ينطبق على الرأس الأبيض ولكن قمتها واسعة جداً.
أما القدر: فهو جبل أفرغ البركان ما بداخله وإذا ما صعدت لترى عمق جبل القِدر ترى بأنه يشبه القِدر ولكنه عميق جداً وصارت المنصهرات حوله مشكلة عشرات الكيلومترات وهو مصهور أسود يطلق عليه اللافا (Lava).
القدير: مثل القدر تماماً ولكن تحيط به ما يشبه الجبال الصغيرة قد أفرغت هي أيضاً وهي خطيرة أيضاً قد يصل عمقها ثمانين متراً.
خيبر والعيون
عرفت خيبر بكثرة العيون منذ آلاف السنين، إذ تبلغ عيون خيبر حوالي ثلاثمائة عين دائمة الجريان قديماً، أما الآن فقد تقلصت وجفت معظمها وأصبحت تعدّ بالعشرات فقط، ومن أشهر عيون خيبر: البحير، الجمة، روضة الأجداد، عين علي، عين المشقق، عين الهامة. كما يوجد عيون أخرى كثيرة مثل: عين أم البيضة، عين الراية، عين الدُّفَيفة، عين سلالم، عين الصفصافة، عين طيران، عين قصيبة، عين القوير، عين النطاة، عين البركة، عين المستقى، وعين الخرار، عين السليل، وعين سمحة، وعين البلالية،، وعين العيينة، وعين الخضرمي، وعين السلمه، وعين علياء، وعين الجدي، وعين وجدة، وعين الشلاله، وعين الغواله، وعين الدواي، وعين المستكا، وعين مطر، وعين القوير، عين اللحيحة، عين المروى.
خيبر والسدود
تذخر خيبر بالكثير من الأودية التي تجري فيها مياه السيول والأمطار، ولذلك فقد شيدت السدود بخيبر منذ القدم لتحجز المياه خلفها وأدى ذلك إلى ارتفاع منسوب المياه في الآبار والعيون، كما كانت تلك السدود تدرأ مخاطر الفيضان عن القرى والتجمعات السكانية، منها سد الصهباء الشهير الذي يقع على وادي الغرس بخيبر وسد الحصيد.
أما فدك فتمتلك أيضاً كثيراً من تلك العوامل والمقومات، فجبالها الجميلة، والأودية الواسعة، وكثرة النباتات الجميلة، والمناظر الخلابة، والمواقع الأثرية الكثيرة مثل الحصون والكتابات والنقوشات وغيرها، هي من مقومات السياحة التي تجذب السائح إليها.
حيث اشتهرت ببعض القصور التاريخية مثل: قصر الشمروخ، قصر الريضان، قصر العليبة، وقصر الحصان، وقصر قلعة القصير، وقصر روضة الحقلية، وقصر السهيب، قصر بريقان، قصر الصنيعة، قصر التلعة، وغيرها من القصور، وقد وقف الكاتب على بعضها بصحبة بعض الأهالي وعندما تتجول في أزقة فدك أو في بطون أوديتها الداخلية أو بين نخيلها وقد احترق أو (أحرق) أغلبه تشعر بأنك تسير على كنوز حقيقية متوارية في الأرض حيث ترى قصوراً قائمة وأخرى في الأرض متوارية لم تكتشف بعد, كما تتعدد مواقع المقابر في فدك وقد نبه المرافق الكاتب عدة مرات بأنه يمشي أو يقف على قبر مما ذكره قول الشاعر:
خفف الوطء ما أظن أديم
الأرض إلا من هذه الأجسادِ
سر إن استطعت في الهواء رويدا
لا اختيالا على رفات العبادِ
واللافت للنظر أن بعض القبور القديمة يكون اتجاهها من الشمال إلى الجنوب (أي جهة القدس).
والبلدة القديمة بقيت أسوارها التي تحيط بها من جميع الجهات مع بقاء أبراج الحراسة القديمة ضمن السور، وفدك القديمة عبارة عن مبان من الطراز القديم وتتشابه مع خيبر في بعض الحصون وهناك أبراج وحصون متهدمة ولها ممرات ضيقة تصل بين تلك الحصون, مع وجود كتابات غير منقوطة في بعض الصخور التي تقع داخل السور ووجود مقابر قديمة بالقرب من جبل يطلق عليه حالياً « الأشهب» ومسميات حارات فدك القديمة (الحائط حالياً) التي داخل السور القديم حسب ما يطلق عليها الأهالي أثناء زيارة الكاتب هي: الفقيّرة والفقرة والقصر القديم.
كما توجد بعض العيون التي ما زالت تجري داخل فدك ولاسيما من الجبل الذي يشرف على فدك المندثرة من الشمال وعلى قمته بعض المنازل، ويميز فدك القديمة النخيلُ التي أصبحت عبارة عن أعمدة سوداء نظراً للحريق الذي أتى عليها مما يبعث الحزن والأسى في النفس عندما ينظر إليها حيث مئات النخيل التي تعرضت للحريق, ويميزها كذلك الكتابات الثمودية تجدها بين صخرة وأخرى, وربما سرق بعض تلك الصخور المثيرة لعدم وجود مراقبة أو حراسة أو سور يضمها جميعاً لذا يخشى عليها من اندثار ما تبقى وهذا ينطبق على مواقع أثرية متعددة في الوطن الحبيب.
الأسوار والحصون
أطلقت على فدك أيضاً مدينة الحصون والأسوار، نسبةً إلى سورها الشهير الذي يبلغ طوله حوالي 7 كم تقريباً، وقد سميت الحائط حالياً نسبةً للسور الذي يحيط بجوانبها وقد عمدوا إلى بناء الأسوار لحماية المدينة وثرواتها من الغارات وذلك قبل توحيد هذا الكيان الشامخ على يد جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. ويعتبر سور فدك الكبير أضخم سور في مملكتنا الغالية حيث يبلغ طول السور حوالي 7 كم على شكل دائري.. يحيط بكافة نواحي المنطقة وله مداخل.
هذا أهم مسار سياحي ثقافي حيث يمكن للسائح زيارة تلك المعالم والآثار في يوم واحد، كما أن زيارتها تذكّر التاريخ المجيد من فتح خيبر وصلح أهل فدك مع النبي صلى الله عليه وسلم.