سلمان بن محمد العُمري
أصبح من السهل لدى الكثير من الناس في المجالس أو في وسائط التواصل أن يناقش كل قضية وموضوع ويدلي بدلوه بعلم أو دون علم، ولا يكتفي بالقص واللصق بل يتجرأ حينما يخوض مع الخائضين في كل مجال وكأنه من المعنيين أو المختصين في المجال الذي يجري الحديث حوله، وقد تكون أطروحاته متوافقة مع السياق الخاص والإيجابي حينما يكون الأمر متعلقاً بالمتطلبات والاحتياجات، وهذا أمر لا يحتاج إلى معرفة فكل شخص له احتياجات ومطالب خاصة أو عامة لا تتطلب الإلمام بكيفية إنجازها وأدائها، وإنما الاهتمام والعبرة بالمخرجات التي يستفاد منها، ولكن البعض يتجاوز ذلك إلى الحديث في تشخيص مشكلة أو موضوع ما، يسوِّف ويسهب في الحديث والتنظير وكأنه أحد المختصين وغير المختصين ويتكلم بغير فنه وبغير اختصاصه ومن تكلم بغير فنه كما يقال أتى بالعجائب.
والتنظير هو مشكلة عامة للمختصين وغير المختصين على حد سواء ولكنها من المتخصصين تكون ذات أثر سلبي لأن الناس تنظر له بمعيار ومقياس خاص يختلف عن الآخرين، إلى جانب أن المتحدث المختص بحكم إلمامه ببعض الخوافي عن الموضوع ربما يبهرك بأسلوبه في الحديث أو الكتابة مع إحاطته بالمسألة من جانب وإدراك ما ظهر أو خفي منها، وفهم مواطن الضعف فيها، ويعرض ما ينبغي أن يتبع في إصلاح الموضوع المطروح، ثم تفاجأ فيما بعد أن هذا المختص والمنظر تولى زمام الأمور في هذه الجهة التي كان ينتقدها ويوجه اللوم لها ويريد تصحيح مسارها، وتتوقع أن ترى له في هذا الميدان آثارًا إيجابية بعد أن ظننت وظن الآخرون أن الأمور جاءت في نصابها بعد تكليفه بهذه المهمة، ولكن الواقع يثبت العكس ويخيب الظن فيه كما خاب في غيره من قبل؛ فالمنظر بالأمس سار في مجال العمل على المسار السابق يسلك ما سلكوه ويدع ما تركوه ولم يحرك ساكناً إن لم يكن الأسوأ، وحينما يتم مناقشته حول مشكلة ما من المشاكل التي كان يتعرض لها وينظر من قبل لقيته يسوق المعاذير والمبررات ويلقي بالملامة على الظروف السابقة التي تفرغ لإصلاحها، وعلى قلة الإمكانات وضعف الكوادر وأن الخطط والبرامج تتطلب المزيد من الوقت، وهو الذي كان يحمل سياط النقد على من سبقوه ويتهمهم بالتقصير واللامبالاة، ورأينا وشاهدنا حالات كثيرة لأمثال هؤلاء ممن عجزوا عن الأداء حينما صاروا في مواقع التنفيذ ولنحسن الظن بهم فلا نقول كما قال الإخوة في مصر إنهم "بياعو كلام "، ولكن الواقع العملي شيء والتنظير شيء آخر.
إن الجميع يتطلعون للكمال والإصلاح وحسن الأداء في جميع المرافق والخدمات والأعمال، ولكن لنترفق ونتروى حينما نوجه النقد لأي جهة في تقويم أداء عملها ولنلتمس العذر للآخرين حينما لا تكون المخرجات بحجم الطموحات لأننا لا نعلم خفايا وعوائق الأداء وأن نقتصد في نقدنا الدائم ونبتعد عن جلد الذات حتى نتبصر في الموضوع الذي نتحدث فيه وأن نتحلى بالصبر والأناة والرفق وأن ندع الناس تعمل، وأن لا ننتقص جهود العاملين في أي مجال كما أن على المسؤول أن يكون هو المبادر الأول في حماية وتحمل مسؤولية الإخفاق لفريق عمله وألا يرمي باللائمة على من معه، وأن يلقى سلاحه بالاستسلام ويجري مع التيار حتى يتم إرضاء الناس. لقد أثبتت الوقائع والأحداث في ميادين كثيرة أن العديد من المسؤولين الذين كانوا يوجهون الانتقادات في السابق حينما كانوا في المقاعد الأكاديمية أو في وسائل الإعلام أنهم كانوا من أعجز الناس في إدارة دفة الأعمال حينما تم تكليفهم بمسؤوليات ما، في وقت كانوا يبهرون الأسماع حينما كانوا في تيار المنظرين ولكنهم سقطوا في الاختبار الحقيقي حينما تسنموا المسؤولية.